الاعتذار ثقافة

علي أحمد بارجاء

 -  الخطأ سلوك بشري فإن لم يكن غريزة وطبعا في الإنسان فهو تطبع واكتساب تفرضه الحياة والتربية والعلاقات الاجتماعية وطبائع النفس وحاجاتها وأطماعها ولعل ذلك يفسر التشابه بين لفظي

< الخطأ سلوك بشري فإن لم يكن غريزة وطبعا في الإنسان فهو تطبع واكتساب تفرضه الحياة والتربية والعلاقات الاجتماعية وطبائع النفس وحاجاتها وأطماعها ولعل ذلك يفسر التشابه بين لفظي (الخطأ) و(الخطúوö) في إشارة إلى أن الخطأ نتيجة طبيعية للحركة في الحياة. وقد قيل مصداقا لذلك: (من يعمل يخطئ ومن لا يعمل لا يخطئ). وهو دليل على أننا أحياء نعيش ونتنفس وإلا فنحن أموات قد انقطع عملنا خيره وشره. وقد جاء قول نبيöنا المعصوم صلى الله عليه وآله وسلم: (كل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون) والتوابون هم المعترفون بأخطائهم النادمون على فعلها المقöرون بعدم العودة إليها وتكرارها وليس في ذلك الاعتراف منقصة في شرف أو رجولة أو جاه ومكانة وسلطان بل هو على العكس من ذلك تماما شجاعة وفضيلة ورجوع إلى الحق والعدل ودليل على عقل راجح ونفس سليمة وضمير حي ناهيك عن ما يترتب على ذلك من إصلاح ذات البين وتطييب النفوس وحسم الصراعات والخلافات وإنهاء الضغائن والأحقاد بين الناس وإعادة المياه إلى مجاريها. بل إن المنقصة وانعدام الفتوةö والضعف يكمن في عدم الاعتذار والاستمرار في ما ينبغي الاعتذار عنه من قول أو فعل.
ولا يكلöف الاعتذار شيئا أكثر مما يكلöف الخطأ لأنه كلمات تجري على اللسان كل ما في الأمر أنها كلمات مستوفاة للحقيقةö دقيقة محددة معبöرة مقنöعة تصدر عن قلب صادق ونية خالصة مخلöصة واقتناع لا تفسöده حöيلة أو خداع أو تردد أو شك تلك الكلمات تصل إلى الطرف الآخر لتحقöق القبول والرöضى ودليل صöدقöها وإخلاصها ما يصاحب لحظة الاعتذار من تعابير وجه ونبراتö صوت.
الاعتذار ثقافة لذلك فهو لا يشيع إلا في مجتمع إنساني راق ليدل على رقيö إنسانه وإلا فهو مجتمع متخلöف وحشي لا يقل شأنا عن الغابة والمحيط حيث يفترس كبيره صغيره ويظلم قويه ضعيفه فلا ترى لدمعة انحدارا ولا لبكاء نشيجا.
وكم في التاريخ من مواقف اعتذر فيها العظماء ممن أساءوا إليهم أو ظلموهم وقد سجلها التاريخ في صفحاته الناصعة لتقتدي بها الأجيال اللاحقة و تتعلم منها.
كنت أشاهد قبل أيام لقاء مباشرا مع الشاعر المصري الكبير أحمد فؤاد نجم من قناة (التحرير) المصرية وتطرق الحديث لموقف المملكة العربية السعودية الأخير الداعم لثورة 30 يونيو المجيدة فأكبر الشاعر نجم موقف المملكة شاكرا لها ومشيدا بها وبادر بتقديم اعتذاره الشخصي لخادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز عن مواقفه السلبية السابقة من المملكة وأنه كان قد أخطأ وأساء الفهم فلم يزد هذا الاعتذار الشاعر نجما إلا رفعة في النفوس ومحبة في القلوب وكان يكفيه أن يشكر ويشيد بموقف المملكة فقط ولكنه اعتذر لأنه شاعر رجل إنسان على أن اعتذاره كان لموقف عبر عنه شعرا أي أنه مجرد كلام قاله ولم يسفك دما أو ينهب عقارا أو يظلم أو يهمöش شعبا أو يستأثر بشيء على حساب ملك وشعب المملكة نفسها.
فما بال من أخطأ استكبارا وغرورا ولم يعترف بأنه أخطأ ولم يبادر بالاعتذار ثم ماطل حين طلöب منه أن يعتذر وحين اعتذر لم يسمö الأشياء بأسمائها ولم يحدöد الأجزاء بتفاصيلها وكأنه يريد أن يمرöر الأمر ظانا أنه قد فعل ما عليه وانتهى وأن ذلك سينطلي على الطرف الآخر الذي هو إنسان حي يشعر بالألم وبالظلم الواقع عليه وليس أحجارا وخشبا مسندة فإن من أحسن الذبحة ينبغي عليه أن يحسöن الاعتذار عنها ويكون أهلها. ولكن:
لقد أسمعت لو ناديت حيا
ولكنú لا حياة لمن تنادي

قد يعجبك ايضا