أحمد هاشم شاهر.. السيمفونية المسكونة بجمالية الحب والروح
عبدالرحمن سيف إسماعيل
• لا أدري من أين أبدأ وما ذا أقول .. في جلال فقيدنا الأكرم أحمد هاشم شاهر.. الذي توفاه الله في هذه الليالي المباركات في هذا الشهر الفضيل .. فجر يوم الاثنين 29 يوليو 2013م 20 رمضان 1434هـ
ما تزال رائحة ذلك المساء طازجه في ذاكرتي حينما حدثتني عن شجون القرية التي غادرتها طفلا صغيرا يتيم الأبوين إلى المملكة العربية السعودية لتلتحق بموكب عمك.. عميد المغتربين اليمنيين هناك محمد علي غانم طيب الله ثراه.. حيث قاسمته الغربة والمعاناة قاسمته المجد والشرف والفضيلة .
كنت صديقي تتحدث بشوق عن أشجان القرية التي ما تزال حاضرة في ذاكرتك طرية منذ ما يزيد عن خمسين عاما.. عن الأشياء ومسمياتها .. (حارات)* وهواها الطيب.. ناسها وأشجارها وثمارها.. عن إيقاعات المطر وسندس شعابها ومروجها الخضر.. أشياء لم تعد في ذاكرتي غادرتني منذ زمان.. كنت صديقي نبيها .. صافي الذهن .. طيب القلب تردد على مسامعنا أشجان القرية وجمالها كنت تذكرنا دوما وأبدا برائحة عطرها.. وترابها الممزوج برائحة الحنون* والأزاب*.. رائحة الزبودة* النافذه على خدودها المتوردة الجميلة.
ذهبت صديقي إلى مستقرك الأخير وأنت أكثر شوقا وحبا لأغاني القرية ا لجميلة التي بعثتها لك في كتاب انتظرته طويلا.. ولكن بعد فوات الأوان.
كنت بعيدا ولكنك قريب من أوجاعنا.. تعيش مأساة الوطن الموجوع.
كنت مثلنا (نسمع جعجعة ولا نرى طحينا).. ننتظر التغيير الذي ربما سينعكس ايجابيا على أوضاعنا وأوضاعكم في المهجر.. بل أنكم أكثر حاجة منا لثورة الربيع.. ثورة الياسمين .. وها أنت ذا تغادرنا قبل أن تصبح أحلامنا حقيقية .
كنت يا هاشم .. نقيا كالنسيم.. مباركا.. طاهرا.. دمثا.. رائعا..
وستظل كذلك في وعينا وذاكرتنا .. ذهبت مزهوا بالحياة.. لا تشكو من أي عارض مرضي.. لهذا حزنت عليك.. وبكيت بحرقة وألم ولكنها مشيئة الله جل وعلى ..
لماذا استعجلت الرحيل..¿
لماذا تركت المكان شاغرا ومضيت..¿
لماذا تواريت عنا وقد قاسمناك المعاناة وكسرة الخبز..¿
لماذا تركت أصدقاءك وأحبابك.. لماذا تركت أروى ومحمد وتهاني وهاشم
ألا تدري بأن أحفادك الصغار في انتظارك..
ألا تدري بأنهم لا يزالون في انتظار عودتك إلى المنزل ليستمتعوا باللعب معك ليرقصوا طربا لسماع حكاياتك ونوادرك الممتعة.. غير مدركين ماذا يعني رحيلك المر عنهم..
فظلوا يتفحصون في وجوه القادمين للعزاء ظنا منهم انك بينهم .
كلما سمعوا صوتا ما ذهبوا نحوه مسرعين عسى يكون صاحب الصوت هو أنت..
هاهو ذا أبونا ( جدنا )قد جاء برغيف الخبز وعلبة الشوكلاته.
ذهبت صديقي مسكونا بحب الآخرين ..
ذهبت كعادتك مبتسما.. مشرقا كالصباح الجميل يا أجمل صباح.
ذهبت على عجالة.. مزهوا بثوب زفافك الأخير..
مبتهجا برحيلك المباغت.. ذهبت ودموعنا تغسل حزننا عليك.
مضيت وحدك إلى حيث الخلود..
مضيت وفي يداك وردة .. تحرك أشجان وأشواق الرحيل.
مضيت شوقا وحنينا لذلك الرحيل..
للمكان الذي أصبحت فيه نجما..
ضوءا.. شمسا أنت بريقها..
في الزمن الذي غيب الجمال والقيم النبيلة.
و ظليت أنت الجمال تحمل قيما مازالت تعبر عن أصالة هذا الشعب المكلوم ..
لاتحزن صديقي سيبقى مكانك شاغرا..
واسمك ساطعا..
ونجمك متلألأ .. وذكرك عاطرا..
ستظل خالدا في أعماقنا .. في قلوبنا
نور عيوننا..
سلاما عليك يوم ولدت ..
ويوم رحلت..
ويوم تبعث حيا.
سلاما عليك حينما تعود إلينا مكللا بالورود..
بنورك الساطع البهي..
مبتهجا برحلتك إلى الله.
الى من استضافك بحضرته وأكرمك برحمته.
سلاما عليك يوم ذهبت إلى الله .. بدفتر أعمالك الخالدة .
سلاما عليك يوم تعود مزهوا بما قدمته يداك من أعمال البر والإحسان.
ها أنت ذا مازلت شمسا متوقدة..
تستمد منك الأجرام السماوية ضوءها
ترسل أشعتها بتتابع وابتهاج..
صديقي لاتحزن طالما وان حياتك القصيرة
كانت مغدقة.. مليئة بالأيمان والأنوار
كسحابة غيث ينهمر منها الماء مدرارا
تواريت عنا تحت الثرى.. لأنك كنت أكثر منا
حبا لأديم الأرض الطاهرة.
ولكن بريقك الأصيل ظل يومض بالحياة ..
بنور الله .. يا نور الله المتوهج فينا..
وصورتك مطبوعة في ذاكرتي لا تفارقني” لحظة