العربية الموؤدة

يوسف الشريف

يوسف الشريف –
كان العرب في الجاهلية (قبل الإسلام) يقومون بوأد البنت أي دفنها حية بلا أي ذنب سöوى أنها بنت وجاء الإسلام ليمحو هذه العادة السيئة من طبائع العرب تماما ولم يبق من وأد البنات إلا التاريخ لكن نوعا آخر من الوأد تولد هذه الأيام إنه وأد لغتنا العربية لغة القرآن لغة الحجة والبيان لغة التباري بالفصاح واللسان لغة بوقعها تضاهي وتغلب وقع السنان, ولكن لماذا بöتنا نستنكف عن إظهارها والافتخار بها ماذا دهى أمتنا العربية لكي تتخلى عن استعمالها¿.
فلقد بدأنا نحن أولياء الأمور في مشروع وأد هذه اللغة الجميلة في مهدها فعمدنا إلى الزج بأولادنا بالمدارس الأجنبية بحجة أنها لغة العصر ولغة التكنولوجيا ولغة ما بعد المستقبل وتناسيúنا لغة القرآن التي هي أساس بنيان الجيل وهي اللغة التي أرادها الله عنوانا يختم به رسائل أنبيائه.
فها نحن اليوم وبعد أن تعلمنا هذه اللغة كلغة رئيسة نتبرأ منها غير آسفين عليها على اعتبار مجاراة الحاضر والعولمة فلم نرع في أولادنا حقهم في تعلم لغتهم الأم وليس لأنها موروث شعبي أو تقليدي فحسب وإنما لأنه لسان نطق القرآن الكريم الذي ينجيهم ويأخذ بأيديهم إلى الطريق المستقيم.
فإذا كان حالنا اليوم معيبا في إدراك كنه اللغة العربية ونحن من تعلمناها كأساس لتعليمنا فما بالك بالجيل والأجيال القادمة التي باتت تستعمل العربية كلغة ثانوية تسعى الجهات التربوية إلى فرضها جبرا حتى لا تدحض وتمحى من المقررات الدراسية ومع ذلك لا نجد في الساحة اليوم مدرسين أكفاء في المراحل السنية الأولى لتعليم أبنائنا قواعد اللغة ونحوها وصرفها وبديعها جملة وتفصيلا إلا من رحم ربي.
وما يثير الدهشة هو لجوء أولادنا أيضا إلى استعمال الحروف اللاتينية كبديل لحروف اللغة العربية في التخاطب بلغتنا أو لهجتنا فصار معظم الشبان يستخدمون حروف الإنجليزية في التراسل بلغتنا العربية عبر وسائل الاتصال من رسائل نصية أو بريد إلكتروني أو غيرها.
ولكن بكتابة الحروف الأجنبية وهذه طامة الطامة (الطوام) التي انجر إليها الخاصة والعوام والتي يمارسونها على سبيل المزحة والتلاطف غير آبهين بعواقبها وغير مدركين أنها تمهيد لمحو الحروف العربية شيئا فشيئا من قاموس عقل العرب ليبدأ هجرهم للقرآن الكريم بعد أن بات هذا الكتاب العظيم مرجعا يرجع إليه كل مسلم وليصبح مجرد وöرد للقارئين يتلونه دون إدراك لمعناه إلا من شاء له الله أن يتدبر آياته ويفهم معناها ومغزاها.
ولذلك وجب علينا نحن ككتاب وأصحاب رأي وقلم أن نؤيد وبقوة جمعيات حماية اللغة العربية وإن كانت المصيبة أننا نحمى هذه اللغة الثكلى وهي بين ظهراني أبنائها وفي عقر دارهم أما ترون أنها فضيحة أن تنشا نفس هذه الجمعيات في بلد لغته العربية هي لغة جينه وموروثه الشعبي.
ولكن حقا علينا أن نقبل هذه الجمعية لأن العربية صارت معقوقة من أبناء يحمونها أو ينجونها أو يرعون صالحها ومصالحها فكانت جمعية اللغة العربية كدار رعاية المسنين التي تبذل جهدها في تسلية ورعاية الشيخ الهرم قبل مماته وأسأل الله تعالى أن لا تموت العربية في بلداننا العربية رغم أني على يقين أنه سيأتي من يقول بأن الله تعهد حفظ كتابه وبالتالي فإن لغتنا لن تندثر وأرد على مثل هذا بأيú نعم..
إن الله تعهد حفظ كتابه الكريم بحفظ من عنده ولكن جعل أمر بقائه بيننا بأيدينا وهجرنا وهجراننا إياه صنيعتنا لذلك وجب الحذر ولا ننسى تجارب الاستعمارات الغربية في دحض وقتل اللغة العربية وذل ما كان في تركيا بعد سقوط الخلافة العثمانية وما يمارس اليوم في أفغانستان باستخدام الحروف اللاتينية بدلا من العربية وإن كان في لهجاتهم سواء التركية أو الأفغانية.
وإن ظهر ذي الرأي والفهم منا لينقصم وقلبه يتفطر حين نرى تطور الأمر وابتعادا غير مسبوق عن اللغة العربية لدى بعض المسؤولين الذين يؤدون البروتوكلات فترى أحدهم يسن أسنانه ويحد لسانه ليلقي الكلمة الخاصة به في مجمع عربي يشارك به بعض الأجانب ليستأذن الحضور لإلقاء كلمته باللغة التي يدركها الضيف الأجنبي وهو لا يفعل ذلك حبا وكرامة بالضيف لأنه ليس بحاجة لذلك كون المترجمين الفوريين يقومون بذلك الدور.
ولكنه يريد أن يثبت أنه ليس ابن البطة السوداء وأنه يخاطبهم بلسانهم وأن من لا يفهم اللغة الأجنبية عليه بالاستعانة بالمترجم الفوري الذي من المفروض أن يكون للترجمة من اللغة الأجنبية للعربية وليس العكس وأخشى ما أخشاه أن تصöل الترجمة إلى الأسماء فأمل يصبح اسمها “هوب” وعمر يصبح اسمه “إيج”.
ناهيك عن الحفاوة والتصفيق والترحاب التي يحظى بها من يتكلم في أي حفل أو مجمع باللغة الأجنبية والتي تكون أضعاف ما يحظى به الناطق بالعربية. ما نراه اليوم ينبئ بكارثة للغتنا يجب أن نتعاضد جميعنا لحمايتها والذود عنها وإلا فسنراه موؤو

قد يعجبك ايضا