تساؤلات عن الثورة والمصير الغامض
فائز سالم بن عمرو
فائز سالم بن عمرو –
إذا أردنا مناقشة قضية الربيع العربي ونتائجه على حاضر ومستقبل الأمة العربية والإسلامية ينبغي أن نحتكم للعقل والمنطق ونهجر ثقافة العاطفة والانفعال وأن نسلم بأن القراءة السياسية متغيرة ونسبية وقابلة للتبدل واختلاف الحكم والرؤية فمن يمتدح الثورة ويناصر الربيع العربي لن يدخل الجنة ومن يرفضه ويذمه فلن يخلد في النار انطلاقا من هذا المنطق فلا شك بوجود عوامل وأسباب اجتماعية وسياسية تدعو إلى الثورة والانعتاق من حالة الجمود السياسي والاقتصادي والاجتماعي فالعرب ليسوا الأمة الوحيدة التي قامت بالثورات أو دعت إليها أو مارستها فقد سبقتنا الشعوب واكتفينا بتبديع الفكر الثوري وربما تكفيره لننطلق بعد وصول الربيع العربي إلى شواطئنا في مسابقة دينية وثقافية للتنظير للفكر الثوري وشرعيته تدخل المنطقة العام الثاني من انفجار بركان الربيع العربي وسط تساؤلات كبيرة ومتزايدة تتكاثر في كل يوم من تاريخ هذه الثورة وليس هذا المقال مسطرا ليكون حكما عاما أو تقييما لهذه الثورات وإنما قراءة في مقدمات الربيع لنصل إلى النتائج المجهولة التي سيقودنا إليها الربيع العربي بمساره الحالي فانطلاق الثورة واشتعالها الصاروخي والسريع يجعل الربيع العربي محاطا بالتساؤلات والفجوات دونما تفسير واضح هذا الغموض والجدل يحتاج للمنجمين والمشعوذين لإزالة طلاسم الطالع الثوري تلك التساؤلات والفجوات من يستطيع الوقوف عندها وفهمها والربط بين أحداثها وتفاعلاتها سيصل إلى قراءة واقعية ومنطقية للربيع العربي وسيتمكن من استقراء المستقبل ويرسم ملامح المرحلة القادمة فمن المآخذ والفجوات في مسيرة وانطلاق الربيع العربي:
1ـ مسلمة منطقية تقول بأن الأمة العربية لم تشهد أي تغيير ثقافي أو اجتماعي أو سياسي يتناسب مع هذا التغيير والزخم الثوري السريع والصاروخي ففاقد الشيء لا يعطيه كما يقول المثل فالأمة ونخبها ومجتمعاتها شهدت تراجعا ثقافيا وفكريا وسياسيا وسادها الفكر الشمولي وكل أرقام المنظمات تشير إلى تراجع العرب في القراءة والثقافة والتعليم وفي كل المجالات.
2ـ ليس اعتباطا أن ترفع هذه الثورات شعار ” الشعب يريد إسقاط النظام ” ولم يرفعوا شعار تطوير النظام أو تطويره بل يوجد إصرار على الاجتثاث والإقصاء والهدم وكان يقال الشرعية الثورية فوق كل الشرعيات القانونية والدستورية والدولية والدينية والأخلاقية والأمر المحير مع اختلاف الشعوب التي اشتعلت فيها الثورات وتفاوتها الثقافي والسياسي والمكاني إلا أنها توحدت حول هذا الشعار وغيره من الشعارات التي تكرس الهيمنة والإقصاء وهذا ما دعا نيلسون مانديلا بعد شهر من قيام الثورة في مصر أن يرسل رسالة لثوار تونس ومصر يدعوهم فيها إلى المصالحة ورفض الإقصاء إذا أرادوا بناء دولة ويتركوا الاحتراب والعنف والانتقام.
3ـ إذا أردت أن تنجز مشروعا صغيرا لا بد أن يكون لك أهداف وخطة واضحة وغاية من هذا المشروع فكيف تنطلق ثورات تريد التغيير وترفع شعارات كبيرة جدا رفعتها قبلها الأنظمة الثورية السابقة من الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية دون أن تكون لهؤلاء الثوار أو الحركات الشمولية ” الإسلامية والليبرالية ” أي تصور عملي واقعي لتطبيق هذه الشعارات فالمعارضة في اليمن طالبت برحيل النظام وراهنت بأن رحيله سيحل كافة قضايا اليمن سواء منها قضية الجنوب أو الحوثيين أو القاعدة وهذه القضايا استفحلت وكبرت ولم تستطع حكومة الوفاق أن تنجز إلا إبدال العطلة من الجمعة إلى السبت.
4ـ شهدت الثورة خدعة كبرى تجلت في خروج الشباب إلى الساحات والميادين وتقديم التضحيات وعند تقاسم الغنائم تم تهميش الشباب والمرأة وشرائح اجتماعية كثيرة وتربعت على السلطة حركات إسلامية وأصولية لم يكن لها أي تواجد في صناعة الثورة فانقسم الشارع العربي إلى شباب معارض متمترس في الساحات وإسلاميين يجلسون على أريكة البرلمان المريحة وهذا يبشر باستمرار الصراع في دول الربيع العربي .
5ـ رفعت الثورات العربية شعار السلمية وقد اخترق هذا الشعار وقتل وما زال الإعلام الموجه يسمي الثورات المسلحة والعنقية في ليبيا وسوريا بالثورات السلمية ففي مصر هاجم مسلحون مجهولون مراكز الشرطة فقام الأفراد والضباط بالدفاع عنها وقتل العديد من المهاجمين فتمت محاكمة الضباط بتهمة القتل مما أدى إلى أن رجل الشرطة أصبح يتفرج على المواطنين الذين يقومون بالنهب والفوضى على مرأى ومسمع منه كما حصل في أحداث بور سعيد ويبررون موقفهم بقولهم أفضل أن أحاكم بالتقصير من أن أدان بالقتل فالثورات التي يطلق عليها سلمية يراد منها إضعاف الأمن والجيش لتعم ثقافة الفوضى وهو ما يحصل في كثير من دول الربيع العربي .
6ـ ما يحدث على مسمع ومرأى من الدول الغربية وراعية الديمقراطية سابقة خطيرة جدا فالغرب يدين استعمال العنف مع المتظاهرين الذين يقطعون الشوارع ويهاجمون المراكز ومؤسسات الدولة وهو