مداخلة لا علاقة لها بالموضوع

جهاد الخازن

جهاد الخازن –
لو كنا في‮ ‬زمن المتنبي‮ ‬لاقترحت أن‮ ‬يوضع صاحب المداخلة مقيدا‮ ‬على ظهر حمار‮ ‬ووجهه إلى خلف‮ ‬ويطوف به العسس في‮ ‬أحياء المدينة‮ (‬لن أقول زنقة زنقة‮) ‬وأمامه ضارب دف‮ ‬يهتف‮:‬
كنت في‮ ‬مؤتمر نصيبي‮ ‬منه جلسة عن القيود على حرية الميديا العربية‮ ‬وقام مستمع تحدث عن حصار إسرائيل قطاع‮ ‬غزة‮ ‬وكنت في‮ ‬مؤتمر آخر موضوعه العوائق أمام الوحدة الثقافية العربية‮ ‬وقرر مستمع أن تكون مداخلته عن النظام السوري‮:‬
بت مقتنعا‮ ‬بأن المواطن العربي‮ ‬لا‮ ‬يصغي‮ ‬إلى حوار تلفزيوني‮ ‬ولا‮ ‬يحضر ندوة في‮ ‬مؤتمر ليسمع أو‮ ‬يستفيد ويسأل ويستفيد أكثر‮ ‬وإنما هو على الهاتف أو في‮ ‬القاعة لتقديم مداخلة إن قصرت فنصف ساعة‮ ‬وإن طالت فهي‮ ‬أطول من المحاضرة التي‮ ‬لم‮ ‬يسمعها‮.‬
لا‮ ‬يعني‮ ‬هذا أن كل مشارك في‮ ‬حوار تلفزيوني‮ ‬وكل محاضر في‮ ‬ندوة خطيب مصقع من جهابذة الكلمة‮ (‬المعنى في‮ ‬القاموس أو في‮ ‬قول الشاعر‮: ‬خطباء حين‮ ‬يقوم قائلنا‮/ ‬بيض الوجوه مصاقöع‮ ‬لسن‮) ‬وإنما أننا نسمع بين حين وآخر أفكارا‮ ‬جديدة واقتراحات مفيدة من عالم نöحرير في‮ ‬موضوع اختصاصه خبير قدير‮ ‬ثم‮ ‬يأتي‮ ‬صاحب مداخلة‮ ‬يفسد الجلسة على الجميع‮.‬
أعتقد أنني‮ ‬لو عشت عمر لبد‮ ‬نسر لقمان الذي‮ ‬قرأنا أنه عاش ألف سنة‮ ‬لما سمعت أحدا‮ ‬يسأل سؤالا‮ ‬وإنما‮ ‬يقدم مداخلة أهم ما فيها أن لا علاقة لها البتة بالموضوع‮.‬
طبعا‮ ‬هناك متحدثون‮ ‬يستحقون‮ »‬المداخلة‮« ‬إياها‮ ‬وأسمع الواحد من هؤلاء وأنا أقول مع الشاعر‮: ‬خطبت فكنت خطبا‮ ‬لا خطيبا‮/ ‬يضاف إلى حوادثنا العظام‮. ‬والحوادث هنا ليست المجلة المعروفة‮ ‬وإنما بمعنى المصائب لذلك قال شاعر آخر‮: ‬إن الحوادث ما علمت عظيمة‮/ ‬وأراك بعض حوادث الأيام‮.‬
أقصى ما أدعي‮ ‬شعرا‮ ‬أنني‮ ‬طالب أدب لا صحافة‮ ‬وأنني‮ ‬أحفظ الكثير منه‮ ‬وأحاول أن أقلده بعد أن شجعتني‮ ‬الإخوانيات التي‮ ‬تبادلتها مع الصديق الحبيب‮ ‬غازي‮ ‬القصيبي‮ ‬رحمه الله‮.‬
مما أحفظ قول الشاعر‮: ‬
مما‮ ‬يزهدني‮ ‬في‮ ‬أرض أندلس
أسماء مقتدر فيها ومعتمد
أسماء مملكة في‮ ‬غير موضعها
كالهر‮ ‬يحكي‮ ‬انتفاخا‮ ‬صورة الأسد
وقلدت السابق‮ ‬أو هو أوحى لي‮ ‬باللاحق‮:‬
مما‮ ‬يزهدني‮ ‬في‮ ‬خوض معترك
بالفكر والذكر والتنوير مصقول
إن ابتلى بدخيل في‮ ‬مداخلة
بالجهل والنقل والإسفاف مجبول
أقول إن شعري‮ ‬لا‮ ‬يقدر عليه المتنبي‮ ‬ثم أحمد الله أن هذا الشاعر العظيم توفي‮ ‬منذ ألف سنة‮ ‬ولن‮ ‬يستطيع أن‮ ‬يرد على تطاولي‮ ‬بهجائي‮ ‬كما فعل مع السامري‮ ‬في‮ ‬مجلس سيف الدولة‮ ‬فقال‮: ‬
أسامري‮ ‬ضحكة كل راء
فطنت وكنت أغبى الأغبياء
صغرت عن المديح فقلت أهجي
كأنك ما صغرت عن الهجاء
أعود إلى المداخلة‮ ‬وأقول للقراء‮: »‬دخيلكم فكروا في‮ ‬حل‮ ‬ينقذنا جميعا‮ ‬من أصحابها‮ ‬فكلنا‮ ‬يتابع التلفزيون وبعضنا صاحب همة عالية ليتجشم عناء النهوض من عل

قد يعجبك ايضا