الإسلام والمتغيرات المسيحية
محمد السماك
محمد السماك –
❊ .. تواجه المسيحية ثلاثة متغيرات أساسية. المتغير الأول هو انحسار الإيمان الديني في المجتمعات الغربية وخاصة في أوروبا. والمتغير الثاني هو الانتشار الواسع للإيمان الديني المسيحي في آسيا وأفريقيا. أما المتغير الثالث فهو دخول الإسلام إلى المجتمعات الأوروبية من بوابات الهجرة ومن ثم الاستيطان والاندماج. وحتى مطلع القرن التاسع عشر كان 80٪ من المسيحيين يعيشون في العالم الأول -أوروبا والأمريكتين- أما الآن فإن ثلثي المسيحيين يعيشون في العالم الثالث آسيا وأفريقيا وأمريكا الجنوبية.
ويترافق مع هذا التغيير الديموغرافي تغيير في الالتزام الديني. ويعكس ذلك تضاؤل عدد الأوروبيين الذين يؤمون الكنائس للصلاة يوم الأحد حتى وصل إلى حوالي 10٪ فقط (تزيد هذه النسبة في الولايات المتحدة عن 60٪). وتعكس هذه الظاهرة تحويل أعداد من الكنائس في العديد من الدول الأوروبية إلى متاحف ومعارض دائمة. وفي الوقت ذاته ترتفع نسبة الإقبال على الكنائس في الدول الآسيوية والأفريقية مما يعكس الحاجة المتزايدة إلى بناء المزيد منها.
وقد فتح انحسار الإيمان الديني في المجتمعات الغربية الباب واسعا أمام اقتحام قيم جديدة لهذه المجتمعات تشكل تحديا للكنيسة. ومن هذه القيم: تشريع «زواج المثليين» وإجراء مراسم هذا «الزواج» في الكنيسة واعتماد كهنة من الشاذين جنسيا وتعيين أساقفة من النساء.
فتحت شعار احترام الحريات الفردية واحترام حقوق المرأة والمساواة تجد الكنيسة نفسها أمام خيارين أحلاهما مر. الخيار الأول هو الاعتراف بهذه المطالب «الحقوقية» وتاليا الانكفاء عن قيم دينية أساسية تقوم عليها الكنيسة وتدعو لها وإجراء تغييرات جذرية على هذه القيم الإيمانية والثاني هو رفض هذه المطالب وتاليا الصدام مع المجتمع وتعميق الهوة القائمة أصلا بينه وبين الكنيسة.
وثمة أمر آخر يزيد الوضع تعقيدا. وهو أن الكنيسة الغربية وتحديدا الكنيسة الانجليكانية في بريطانيا أبدت انفتاحا على هذه المطالب خلافا للموقف المبدئي للكنيسة الكاثوليكية التي تتشدد في رفض هذه المطالب من حيث الشكل والأساس.
أما في آسيا وأفريقيا فإن الكنيسة الانجليكانية هناك وانسجاما منها مع قيم وتقاليد مجتمعاتها المحلية ترفض أيضا هذه المطالب. ومن هنا برز خطر الانقسام الذي تواجهه الكنيسة الأمر الذي حمل رئيس أساقفتها روان وليامز (رئيس أساقفة كاتنبري) على اتخاذ قراره بالاستقالة من منصبه في نهاية العام الجاري والتفرغ بعد ذلك للتدريس الجامعي.
وكانت الكنيسة الإنجليكانية البريطانية متماسكة من خلال وحدة المجتمع البريطاني عنصريا وثقافيا. ولكن تحولها إلى العالمية (انتشارها في الولايات المتحدة وأفريقيا وآسيا) أفقدها هذه العناصر وجعلها مفتوحة أمام قيم مختلفة ومتناقضة:
انفتاح وليبرالية أكثر في الولايات المتحدة.. وتشدد ومحافظة أكثر في أفريقيا.
والواقع أن حركة هذه المتغيرات ليست وقفا̷