قانون البيض‮!!‬



وليد المشيرعي
قررت إحدى الحكومات العربية تسعير السلع الاستهلاكية وعند التنفيذ واجهت مشكلة في‮ ‬تسعير البيض لأن البيض مقاسات وأحجام مختلفة لا‮ ‬يمكن ضبطها أو تحديدها ولكل دجاجة صغيرة كانت أو كبيرة قدرتها الخاصة في‮ ‬مسألة التكبير والتصغير لمنتوجها من البيض‮.‬
ولذلك ألزمت الحكومة مزارعي‮ ‬الدواجن فرز منتجاتهم من البيض الصغيرصغير‮ .. ‬والكبير كبير وأقامت لذلك اللجان الأصلية التي‮ ‬شكلت بدورها لجانا فرعية وفرقا ميدانية من المراقبين والمتابعين لإنجاز تسعيرة ملائمة لا‮ ‬يكون فيها ظلم أو إجحاف بأي‮ ‬طرف‮.‬
بعد شهور من العمل بالتسعيرة الحكومية اكتشف المزارعون أن أرباحهم تتآكل بفعل زيادة الأيدي‮ ‬العاملة المكلفة بالفرز و»تفقش‮» ‬الكثير من البيض بين أيدي‮ ‬الفارزين فضلا عن الأطباق والكراتين التي‮ ‬تطير بلا جوانح إلى مطابخ مسئولي‮ ‬اللجان والمراقبين من باب الهدية والعيش والملح‮.‬
ولأن الحق حق‮.. ‬قام المزارعون بتشكيل لجنة تتخاطب مع الحكومة لإلغاء التسعيرة أو على الأقل زيادتها بما‮ ‬يغطي‮ «‬الخسارة‮».‬
بعد مفاوضات وأخذ ورد قدمت الحكومة تنازلا كبيرا للمزارعين بإعادة تشكيل اللجان وفصلها إلى لجنتين واحدة لمراقبة الفرز والأخرى للتسعيرة وإضافة مراقبين محايدين لعمليات التسويق‮.. ‬ولم تمانع الحكومة الحنونة زيادة أسعار البيض وفق دراسة معمقة من لجنة خبراء دوليين في‮ ‬شئون البيض والدجاج‮.‬
هذه القضية استولت على اهتمام الناس وصارت حديث الصحافة بلا منازع خاصة مع قيام أعضاء لجان‮ «‬البيض‮» ‬وقد بلغ‮ ‬تعدادهم الآلاف بتشكيل لجنة نقابية تدافع عن حقوقهم وتسعى لزيادة مرتباتهم الزهيدة وتوفير متطلبات ع ملهم كأجور المواصلات وبدلات المخاطر والمظهر وطبيعة العمل وغلاء المعيشة‮.‬
ولكي‮ ‬تواجه الحكومة تهديدات موظفي‮ «‬البيض‮» ‬وتلويح نقابتهم بالإضراب فقد قامت بزيادة الضرائب والرسوم على‮ «‬البيض‮» ..‬
وتصاعدت الأزمة بعد إعلان عدة قوى سياسية مدفوعة من مزارعي‮ ‬البيض عن رفضها المشاركة في‮ ‬التصويت البرلماني‮ ‬على زيادة الرسوم‮ ..‬فما كان من الحكومة إلا تقديم تنازلات لتلك الأحزاب بمنحها عدة حقائب وزارية‮ ..‬
وما أن تسربت أخبار الصفقة وحتى قبل أن‮ ‬يوافق البرلمان على الزيادة اشتعلت أسعار البيض بفعل إخفاء التجار مخزونات هائلة من البيض بهدف الاحتكارو انتظارا لما سيحدث‮.‬
وهنا تدخل علماء الدين ليفتي‮ ‬بعضهم بتحريم بيض المزارع لأن فيه شبهة ربا وآخرون افتوا بمقاطعة البيض وكل منتجاته لمحاربة الاحتكار‮.. ‬وبعض آخر أفتى بأن شراء البيض واجب ديني‮ ‬وشرعي‮ ‬لمواجهة مؤامرات أعداء الاسلام‮ ! ‬بمرور الأيام والشهور تفاعلت أزمة البيض واستقطبت العديد والجديد من الأزمات‮ .. ‬فقد أفلست مزارع الدواجن واتجه الناس إلى البيض والدجاج المستودر بالدولار‮ .. ‬وارتفعت أسعار اللحوم والأعلاف‮ .. ‬وانهارت عدة بنوك زراعية وأخرى‮ ‬غير زراعية‮ .. ‬وانتشرت بسبب البطالة عصابات مسلحة للسطو على ممتلكات المزارع المفلسة‮ .. ‬وحدث إضراب بين رجال الشرطة المطالبين بزيادة أجورهم بعد ضغوط العمل الجديدة‮.‬
وإزاء ما‮ ‬يجري‮ ‬في‮ ‬تلك الدولة أعرب مجلس الأمن الدولي‮ ‬عن قلقه العميق ملوحا باتخاذ عقوبات ضدها ما لم تسارع بحل المشكلة وإعادة الهدوء وتوفير البيض لمواطنيها‮.‬
بعد مفاوضات طويلة وشاقة بمشاركة وسطاء وفاعلي‮ ‬خير انقشع‮ ‬غبار الأزمة باتفاق متين‮.. ‬يتيح فض الاشتباكات الجارية ويضمن بعد مرحلة انتقالية البدء بمناقشة جادة ومنفتحة بهدف صياغة قانون جديد لتسعير البيض‮!! ‬بعد سنوات أصبحت تلك الدولة مثالا على كل لسان باعتبارها الدولة الوحيدة التي‮ ‬تمتلك قانونا متطورا لتنظيم أسعار البيض وإنتاجه وتسويقه وليس عندها مزارع دواجن‮.. ‬وما في‮ ‬أسواقها أي‮ ‬بيض‮!‬

قد يعجبك ايضا