مشاهد وصور من أوروبا»4-8«
جمال عبدالحميد عبدالمغني
جمال عبدالحميد عبدالمغني –
> وارسو بصفة خاصة وبولندا بصورة عامة تستحق أن يفرد لها المؤتمر أكثر من حلقة لأن فيها الكثير والكثير مما يستحق الكتابة وإطلاع القارئ الكريم ولكنني سأحاول اختصار باقي المشاهد الهامة في تناولة اليوم قدر الإمكان عن بولندا.
> من الصعب على الزائر لبولندا وبالذات وارسو أن يتجاهل «حلف وارسو» ومقره العتيد في هذه المدينة حيث كانت وارسو عاصمة ومقرا لهذا الحلف حتى نهاية حقبة الثمانينات من القرن الماضي كانت الخطط الوقائية والاستراتيجيات العسكرية للمعسكر الشرقي بقيادة الاتحاد السوفيتي السابق ترسم في هذه المدينة وتثير الرعب لدى دول المعسكر الغربي المنظومة عسكريا في إطار «حلف الناتو» بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية ومقره أيضا في مدينة أوروبية ليست بعيدة عن وارسو كثيرا إنها مدينة بروكسل البلجيكية كانت المدينتان مقران لإدارة الصراع العالمي بين الكتلتين الشرقية والغربية وكان العالم يجني بعض الفوائد من وجود حلف وارسو قبل انهياره على الأقل كان وجوده يمنح البشرية بعض الطمأنينة أن هناك نوعا من التوازن بين القوتين المرعبتين أو القطبين المتصارعين على زعامة العالم وكانت بؤر الصراع العالمية والحروب تخمد بصورة سريعة نتيجة لانحياز كل معسكر إلى طرف من أطراف الصراع في أي بقعة في العالم ولكن للأسف أنها حلف وارسو أو المعسكر الشرقي وتأسس نظام القطب الواحد وحدث الاختلال الرهيب في توازن القوى ودانت السيطرة للقرب لكن الأوروبيين بذكائهم المعروف استفادوا من هذه الفرصة وإنشاء الاتحاد الأوروبي والذي ما كان له أن يتحقق لولا انهيار المعسكر الشرقي وبالتأكيد كان لألمانيا وفرنسا اليد الطولى والدور الأبرز في إنشاء هذا الاتحاد العملاق.
> أيضا في وارسو ثمة حدث كان مرسوما في مخيلتي قبل وصولها وهو ما قام به رئيس الوزراء البولندي رئيس حزب منبر الوطن «دونالد توسك» قبل أكثر من عام عندما قرر الاعتكاف في منزله المتواضع داعيا حزبه إلى اختيار بديل له أو الدعوة إلى انتخابات مبكرة طبعا لم يكن بسبب الاعتكاف محاولة للابتزاز السياسي بل إنه برر ذلك بحالة اكتئاب إصابته واعتقاده بأنه لن يكون قادرا على إعطاء شعبه ما يطمح إليه في ظل حالة الاكتئاب لكن ناخبيه وشعبه الذين يعرفون نزاهة الرجل وحبه لوطنه قرروا الذهاب إلى مسكنه البسيط حاملين الورود والزهور تعبيرا منهم عن تضامنهم مع زعيمهم المثالي وإصرارهم على بقائه في منصبه وعندما رآهم من شرفة منزله بعشرات الآلاف حاملين الورود خاطبهم قائلا «لقد زال اكتئابي» وقرر العودة عن قراره هذا الزعيم لم يفشل اقتصاديا ولا أمنيا ولا سياسيا لكنه خشي من حالة الاكتئاب أن تؤثر على أدائه ولو لأيام فكم زعيم عربي على استعداد للتخلي عن منصبه في حالة الفشل الذريع وليس لاكتئاب.
إلى اللقاء في الحلقة القادمة «جمهورية التشيك» الساحرة