زخات استقرائية من كفاح سيرة وتجربة الفتيح الإبداعية 3-1
منصور السروري

منصور السروري –
استهلال لا بد منه
اسقني قطرات معدودة في حياتي ولا تفض مياه النهر العذب كلها علي بعد مماتي .
إن يكتب سطرا واحدا عني في حياتي أقرؤه فأرى نفسي في عيونكم أفضل عند من ألف كتاب سيكتب عنى في مماتي .
بما في هذه العبارات من معاني حادثني الشاعر سليمان المليكي ذكرني بما كان الفتيح قد قاله لي ذات مساء من نوفمبر 2009م أمضيته حتى وقت متأخر من الليل عنده وكان قصده كتاب ونقاد كبار أهداهم ديوانه ” مشقر بالسحابة ” فلم ير منهم أي كتابة عن شعره سلبا أو إيجابا لأنه يريد أن يرى نفسه في حروفهم بأي صورة تكون .
انتابني هذا الإحساس على إثر نبأ رحيل الفتيح .
ما أسوأ أن يشعر المرء قبل رحيله : أنه لن يصله شئ من الاطراء الذي سيلحقه بعد انطفاءة عينيه.
اليس صحيحا أن فائدة الكتابة عن مبدع بعد وفاته اشبه بفائدة نزول القطر بعد وفاة الضمآن ¿
يخالجني شعور ربما يكون صحيحا : أن من جملة اسباب تقهقرنا الحضاري اننا لا نعرف قيمة العظماء بيننا .. ولا نذكر قيمتهم إلا على إثر غيابهم الأخير .. وهو طبع سائد فينا ولا يكاد يتزحزح بعد رحيل كل مبدع كأن نقول باقي مبدع هناك مازال حيا يجب رد اعتباره وتكريمه قبل رحيله هو الأخر وهو حزين على حالات التجاهل و اللاتقدير لعطاءاته وابدعاته .
كالفتيح .. نعم كأبو مطر الذي عاش كثيرا على هذا الوطن الذي بادل عشق وإخلاص الفتيح بالقسوة المعاناة .. تارة يفرض عليه الحرمان وأخرى الظلم وتارة يبخل عليه بأقل ما يستحقه من شروط الحياة المستقرة الهانئة اللائقة وحجم مكانته النضالية وإمكانياته العلمية المهنية المتعددة وعطاءاته الابداعيىة .. يا له من وطن قاس .. يمنحه الفتيح وأمثاله كل حياتهم فيبخل عليهم بكل شئ وليت الأمر يقف عند مستوى البخل بل أنه يمنحهم كل القساوات والأوجاع .
ومع ذلك سأكتب عن الفتيح لا لتسجيل حضور كبعض من كتبوا لهذا الهدف ليس أكثر وإنما لأنني أولا : سبق أن كتبت عنه قبل سنوات لأكثر من مرة وثانيا : قدمت عنه قراءة بحضوره في منتدى بتعز بمقر الحزب الاشتراكي (نسيت أسمه) وأخذ الدراسة ــ مطهر الشرجبي ــ لطباعتها وهو أدبي ملزم بنشرها بأقرب وقت وثالثا : ثمة أمانة وعدته بها أنني لن أكتب استقراء لسيرته إلا بعد وفاته حتى لا يعتبر ما سيرد فيها لكأنه بإيعاز منه ورابعا لتصحيح كثير أخطاء وردت في مواقع وصحف ووقع فيها كثير من الكتاب الصحفيين بشان سيرته غلبت عليها لغة الانشاء التعبيري على الاستقراء الحقيقي الذي يفضي إلى مقاربة حقيقية تجربته الشعرية بعمقيتها الفلسفية على نحو انساني خلاق .
وقبل أن اكتب شيئا أجدني ملزما كل الإلزام بتوضيح في غاية الأهمية .. يبين من ناحية مبررات الانقطاع عن الفتيح في العامين الأخيرين ومن ناحية تالية علاقتي بالفتيح التي تطورت إلى حد جعلته لا يخفي عني مكانتي في نفسه بالتوازي مع أسماء اخرى حيث قال لي :
أنت ومحمد عبد الوكيل جازم ومحمد الشيباني وعلى المقري وبشرى المقطري .
أنتم الأربعة وبشرى ( فقط ) اراكم الشجرة التي أستظل تحتها وأردف يقول :
شوف يا منصور انا أرى نفسي شجرة لكل هذا الجيل يستظل بها إلا أنت ……… محمد ومحمد وعلي وبشرى الشجرة التي استظل بظلالها الوارف .
تبرير في الوقت الضائع
كم أنا حزين الآن على مواقف فاتتني كان يفترض الانتصار فيها على الظروف التي تهدهدني وتكاد تأتي على ما تبقى من مقومات وجودي .. ظروف لا تقف تبعاتها عند حدود التقصير بشأن التزاماتي نحو مشروعي الفكري الذي يتجاوز العقد والنصف ويشكل الفتيح والجابري والصريمي والفضول وعبدالله سلام ناجي وعلى بن علي صبره ولطفي جعفر أمان وغيرهم كثير جزءا من مكونه البنائي وإنما وصلت تبعات تلك الظروف إلى تهديد عملي واستقراري الأسري .
أقول بهذا ربما للتبرير في الوقت الضائع للفتيح الذي كان يعلم بتكالب الظروف ضدي .. فقد كان يتصل بي ويسألني إلى أين وصلت بحل مشاكلك في العمل¿
لا جديد ياعم محمد .
شوف يا إبني حاول أن تنتصر على العقبات أنت لست مثلي ظروفكم هذا الجيل غير ظروفنا نحن الجيل الذي يسبقكم .
هذه حقيقة كان يعلم ويقول لي : أنتم هذا الجيل من المبدعين لا يستطيع الجمع بين الخيارات .. خيارات الوظيفة والنضال والأدب والكتابة المتعددة .. لا يستطيع أحدكم الجمع بين هذه الخيارات سوى المحظوظين وبشرط التخلي عن أهمها ” النضال ” الذي يعد ركنا اصيلا في تأصيل الإبداع .
المقالة التي جعلته يبحث عني
كنت قد كتبت عنه مقالة صغيرة في صحيفة المستقلة عن قصيدته ” الليل يا بلبل دنا ” فاتصل بالصحيفة يسأل عني ويذكرني بكلمات أطرتني كثيرا وكأنها وسام يعلق فوق صدري بتساؤله : أ