لا تظلموا الوحدة

أ.د. عزيز ثابت سعيد

 - هلت علينا ذكرى الوحدة المباركة وصنعاء وعدد من المدن غارقة في ظلام دامس ورغم ذلك فقد كانت هناك مظاهر احتفالية بسيطة في جزء من الوطن أما الجزء الآخر – أو بعض منه
أ.د. عزيز ثابت سعيد –
هلت علينا ذكرى الوحدة المباركة وصنعاء وعدد من المدن غارقة في ظلام دامس ورغم ذلك فقد كانت هناك مظاهر احتفالية بسيطة في جزء من الوطن أما الجزء الآخر – أو بعض منه – فقد احتشد في ساحة العروض مطالبا بفك الارتباط فالوحدة بالنسبة لهذا الطرف هي سبب شقائه وبلائه ومعاناته وسبب ضيق عيشه وضياع أمنه وأمانه أو هكذا يظن وعليه فالحل كما يرى هو في العودة إلى ما قبل 22 مايو 90م.
ونحن إذ نتعاطف مع إخواننا ونشعر بأناتهم ومعاناتهم نؤكد لهم أن الأغلبية الساحقة في المحافظات الشمالية ليسوا أحسن حالا من إخوانهم في المحافظات الجنوبية فالمعاناة هي هي هنا أو هناك إلا أن الوحدة بريئة من مآسينا فمعاناة اليمني في زوايا الدولة الأربع أسبابها تحتاج إلى تكاتف الشمالى والجنوبي والشرقي والغربي إذا ما رمنا معرفتها والقضاء عليها. الغريب العجيب أن بعض الأحزاب التي ظلت تتبخترعلى خلق الله بأنها قامت بالوحدة تنظر(بتشديد الظاء) اليوم للفدرلة والأقلمة أو قل – إن شئت – “القزممة” كمخرج آمن لليمنيين اليوم وما اجتماع اللجنة العامة للمؤتمر الشعبي العام مؤخرا بسر فقد “دفع” أو فجر المؤتمر الأخ الأكبر في الدولة مفاجأة لم تكن في الحسبان وذلك بتبنيه خيار “الأقلمة”. وكم تزداد مشاعر الألم والحسرة ونحن نرى أناسا في مجلس الحوار كنا نعدهم عقلاء بل ومن الأخيار قد باتوا يتسابقون لبيان مناقب فكرة الفدرلة والأقلمة وتصويرهما كحل ناجح ناجع لانتشالنا من براثن وضعنا المتردي ولعمري أن هذا طرح مخاتل بل وفكر سقيم وساذج إذ كيف نحاكم الوحدة على ما اقترفناه واقترفه حكامنا وقادتنا منذ الأيام الأولى لولادتها¿ قد ألتمس بعض العذر لإخواننا الذين ذاقوا مرارة الحرمان والظلم بعد الوحدة كما أسلفنا وأتفهم موقفهم من الوحدة مع علمنا أن الوحدة ليست من ظلمهم وحرمهم بل الأدوات البشرية للنظام الذي تلا الوحدة. ما ذنب الوحدة أيها العقلاء¿ ألم تكن حلمنا الأول وهدفنا الأسمى شمالا وجنوبا¿ ألم نتغنى بها في مدارسنا أطفالا وشبابا وكأنها معشوقة نرقب وصلها بفارغ الصبر¿ ألم تردد الجبال والوديان والسهول أهازيج وأغاني الفلاحين والفلاحات البسطاء الذين ذابوا في هوى الوحدة قبل أن يعيشوها¿ ألم يذرف أباؤنا وأجدادنا الدمع في محاريب عباداتهم ابتهالا إلى لله القدير أن لا يميتهم حتى يروا اليمنين يمنا واحدا¿ واليوم وبعد الوصل نتخلى عنها! يا له من تفكير عبثي شيطاني نساق إليه سوقا!
لم يا ترى نتخلى عن الوحدة¿ أهي السبب في الفوضى المطبقة التي نعيشها شمالا وجنوبا وشرقا وغربا¿ أهي السبب في التخريب المتواصل لأبراج الكهرباء¿ أهي وراء تردي المستوى التعليمي الأساسي والجامعي ¿ أهي وراء معاناة وشقاء 3 مليون مغترب في الشقيقة الجارة الكبرى وفي غيرها¿ نحاكم الوحدة وكأنها وراء التقطعات والسطو والهنجمة القبلية والجهوية والحزبية وكأنها سبب انتشار التعصب المذهبي في مجتمع عرف التعايش المذهبي لأكثر من 12 قرنا من الزمان وكأنها السبب في الفساد المنظم الذي نخر مفاصل الدولة حتى كسر عظامها! لم يا سيدات ويا سادة لا نسمي الأشياء بأسمائها¿ لم يراد أن تكون وحدتنا قربانا لأخطائنا وخيباتنا¿ إن من أسمو أنفسهم قادتنا وسادتنا وكبرئنا أضلوا الأمة السبيلا وأوردوا الشعب موارد الهلاك واليوم هم من ينظر لكيفية الخلاص. إنا نبرأ إلى الله وإلى الأمة من أولئك الذين يريدون أن يقدموا وحدتنا الطاهرة قربانا لأخطائهم وخيباتهم.
إن أوضاعنا الاقتصادية الهشة بل قل إن شئت التعيسة والأعراف القبلية المتجذرة في نسيج المجتمع اليمني والتي تحكمنا أكثر من قوانين الدولة تجعل من الصعوبة بمكان تطبيق نظام فدرالي كالذي في الإمارات العربية المتحدة ومثيلاتها. وعليه فإن القبول بالفدرلة أو الأقلمة لن يخزل عنا شيئا مما نحن فيه بل سيقود في نهاية المطاف إلى تفتيت الوطن إلى مشيخات و”كنتونات” هزيلة تتناحر على السفاسف وتحترب على التوافه كيف لا ولنا في تاريخنا القديم عظيم العظات والعبر ألم تقم حرب ضروس بين قبيلتين (دويلتين) دامت 40 سنة بسبب ناقة جرباء¿ ولدينا في تاريخنا اليمني عشرات الأمثلة من حالات التمزق وحالات تكون الدويلات عند ضعف الدولة المركزية كما عبر عن ذلك الشعراء الذين سجلوا لنا حالات تمزق يمننا:
وتفرقوا شيعا فكل قبيلة… فيها أمير المؤمنين ومنبر
إنا إن ضحينا بالوحدة كحل لما نحن فيه فقد ضللنا الطريق وجانبنا الصواب. لم لا ننظر إلى الأمور من زوايا مختلفة ونفكر برؤى تصلح اعوجاج أوضاعنا بدلا من مضاعفة المأساة بفدرلتنا وأقلمتنا¿ إن أردنا حلا لما نحن فيه لم لا

قد يعجبك ايضا