تعليق حول أحداث سقوط صنعاء في 525م
محمد صالح الحاضري
محمد صالح الحاضري –
ثمة من اعتبر الخلفية الديموغرافية لإكسوم تشجيعا على فرضية أن أبرهة يمني خاصة وأكثر من نصف سكان الحبشة أصولهم يمنية.
وهناك دافع آخر عند فريق ينتقد تجربة اليمن التهميشية لذاتها داخل التاريخ العربي الإسلامي وأنها أعطت كل شيء دون أن تحصل في المقابل إلا على الشعور بالضعف والاغتراب فيرى أن واقع اليمن الحقيقي هو مع شركائها التاريخيين وفي مقدمتهم الحبشة وأريتريا.
وفي الحقيقة وصل البعض حد عدم تجريم الغزو والاحتلال الحبشي معتبرا تاريخ حميروم وإكسوم واحدا ومسألة أن نحتلهم أو يحتلونا هو نشاط تاريخي كان متبادلا في إطار شعب مملكة سبأ¿
كما لاحظت على هامش الموضوع نظرا لتعلقه بأحداث رهيبة جرت في عام 525م أن ثمة في العمق ما هو أكثر أهمية من الشكل الإخباري للسطح لاحظت نقطة قوة يكشفها تاريخ ما بعد 525م هي القوة النفسية كون أحداث تلك الفترة التاريخية أصعب ما مر به اليمنيون طوال تاريخهم العام باستثناء فترة مشابهة مروا بها في العصر الإسلامي هي فترة الإمام السفاح المجنون عبدالله بن حمزة وأعتقد أن نقاط القوة النفسية ونتائجها الحاسمة الثابتة تاريخيا تخفيها إساءة فهم اليمنيين لأنفسهم نتيجة واقعهم الاغترابي عن ذاتهم اليمنية داخل ذات أخرى ليس لها وجود موضوعي بل هي ذات افتراضية تشتغل على سيكولوجية التخدير الديني التاريخي لا أكثر.
حيثيات القائلين بأن أبرهة يمني
قالوا إن اسمه أبرهة بن أصبح وأنه من الأصابح محافظة لحج كان يعيش في إكسوم وشارك في قيادة المعركة العسكرية ضد اليمن باعتباره نصرانيا في إطار أن خطة الغزو العسكري هي إقامة دولة نصرانية فكأنما هو كان يمنيا نصرانيا مشاركا في طموح روما وإكسوم والكنيسة النصرانية أن تكون اليمن نصرانية وعندما جاء وقت تنفيذ الخطة كان هو الرجل الثاني في قوات الغزو وبعد وصول القوات إلى صنعاء أغرته فخامة المدينة وجمالها ومن المحتمل كما قيل بحكم معرفته بواقع المدينة المادي لحظة دخولها واطلاعه من موقعه القيادي المتقدم على ما فيها قد أغرته كنوزها ففكر في الانفراد بها فقام بقتل قائد الحملة وفرض نفسه على مملكة إكسوم كأمر واقع بصنعاء.
لقد استدلوا على أنه يمني بأنه كان من العهونات على السكان بدليل ضعف مقاومتهم لأبرهة كأهون من قائد إكسومي غيره من ذوي الأصول غير اليمنية فيقال أن أبرهة كان معه جيش من اليمنيين النصارى ومن اليمنيين الأحباش كانوا يتكلمون مع الناس نفس لغتهم وفي أسوأ أحوال أبرهة من منظور اليمنيين وقتذاك أشبه بالواجهة المحلية لعملية الغزو من الخارج.
حيثيات القائلين بعدم يمنيته
الحيثية الأولى أن اسمه في التاريخ اليمني أبرهة الحبشي والثانية أن اسمه غير محترم عند اليمنيين مقارنة باسم محرر اليمن من الأحباش سيف بن ذي يزن بل إن لاسم أبرهة وقعا سلبيا عند اليمنيين يضعه على النقيض تماما من الوقع الإيجابي لاسم ذي يزن فأبرهة لا تقول عنه الذاكرة الشعبية بأنه خائن أدخل الأحباش إلى بلده بل تقول بأنه حبشي وتسميه أيضا أبرهة الأشرم وترسم عنه صورة شنيعة بينما سيف بن ذي يزن قائد وطني يسمى باسمه عدد كبير جدا من اليمنيين على مر أجيالهم المتتابعة في حين لا يوجد يمني واحد اسمه أبرهة ولم يتم رصد حالة واحدة لأب يمني على امتداد ألف وخمسمائة عام أسمى ابنه أبرهة.
تطورات رهيبة
لقد شعر اليمنيون بفداحة الموقف عند نجاح إكسوم في الوصول إلى العمق الحميري واختراق أسوار معقله بعد خطة غزو دؤوبة للإكسوم استمرت من 325م إلى يوم دخول صنعاء في 525م.
إن وقع جريمة الاحتلال كان سيئا على اليمنيين فقرروا من لحظتها بناء أسوار في داخلهم بديلة عن الأسوار التي اخترقتها إكسوم في قلب المعقل الحميري فكانت تلك الأسوار النفسية التي شيدها اليمنيون في داخلهم بمثابة حكم إعدام وطني للديانة النصرانية التي تسببت في كارثة الغزو والاحتلال وكان من الأفضل لها أن تأتي برسالة سلام وتحن لروح التسامح الديني عند اليمنيين والتي سمحت لها بالتعاظم من منظور طبيعي يتعلق بالصلاة والصيام وإذا بها جزء من تاريخ التخطيط لغزو واحتلال اليمن منذ تنصر إكسوم وزواجها الكاثوليكي مع الدولة الرومانية وبالفعل أثبت التاريخ اليمني زوال النصرانية نهائيا من اليمن بفعل الحاجز النفسي الذي بناه اليمنيون أمامها في داخلهم وهذه واحدة من نقاط قوة اليمنيين يكشفها التاريخ اليمني أمام منú يبنون تحليلاتهم وخططهم ضد اليمن على أساس نقاط ضعفها.