منذ عقود كان البنك اليمني للإنشاء والتعمير المؤسسة النقدية الحديثة المسؤولة عن إدارة وتوجيه الاقتصاد الوطني منذ الوهلة الأولى لتأسيسه، وكان المرحوم بإذن الله الأستاذ عبدالله محمد إسحاق الذي انتقل إلى جوار ربه يوم السبت الماضي، من الكوكبة الأولى التي التحقت للعمل بالبنك إلى جانب الأستاذ عبدالعزيز عبدالغني ومحمد سعيد العطار وعلي لطف الثور ومحمد عبد الوهاب جباري ويحيى عبدالله الديلمي وآخرين لم تسعفني الذاكرة لذكر أسمائهم، الجميع لعبوا دوراً هاماً في الارتقاء بهذه المؤسسة الوطنية كأهم نافذة لتمويل الاعتمادات التجارية واستيعاب تحويلات المغتربين اليمنيين المنتشرين في معظم دول العالم .
وكان للمرحوم دور بارز في هذا الجانب عندما أوكلت إليه مهمة إدارة فرع البنك في محافظة تعز التي شهدت ازدهاراً ملحوظاً بفعل عدة عوامل أهمها عودة المغتربين من الخارج بأعداد كبيرة خاصة ممن كانوا في الحبشة والدول الأفريقية الأخرى، إضافة إلى عامل آخر ذكره لي المرحوم ونحن في المغرب لحضور مؤتمر المستثمرين العرب عام 1982م، ويتمثل في انتقال الحركة التجارية من عدن الخاضعة للاحتلال البريطاني وانطلاق شرارة ثورة التحرير ضد المحتل الأجنبي وما أعقبها من أحداث انتهت بمرحلة التأميم ومحاولة هروب الشركات ورجال الأعمال بما استطاعوا من المال قبل عملية التأميم والمصادرة .
بعد ذلك تنقل المرحوم في عدة مواقع في نطاق البنك كان آخرها الشركة اليمنية للتمويل والاستثمار وهذا المنصب هو الذي أهله لحضور مؤتمر المستثمرين الذي قدم فيه ورقة عمل عن ضرورة تأسيس شركة ائتمان عربي توفر الضمانة الكافية للاستثمارات المتبادلة بين الدول العربية ومواجهة أي مخاطر تحول دون هروب رؤوس الأموال العربية إلى دول الغرب، ما لفت نظر الدكتور العمراني رئيس وزراء المغرب آنذاك أن المرحوم وضع أهم شرط لضمان نجاح الفكرة ممثلاً في استقلالية هذا الكيان التامة ومنع تدخل الحكومات والدول في شؤونها، فطلب من المرحوم الصعود إلى المنصة لشرح الفكرة أكثر وقد فعل، مما جعل رئيس الوزراء المغربي يعلق قائلاً :
لماذا لا يستفيد الأشقاء في اليمن من هذه الخبرات؟! السؤال للآسف لا يزال معلقاً في سماء البحث لم يصل إلى إجابة، بل إنه ازداد غموضاً في فترة الهبر المُنظم لمؤسسة البنك اليمني الأول من بيوت وشركات تجارية إضافة إلى عدد من النافذين الذين أخذوا قروضاً من البنك وامتنعوا عن تسديدها أو حصلوا على إعفاءات من رئاسة الدولة آنذاك، إضافة إلى تعيين قيادات غير مؤهلة لإدارة البنك .
وفي فترة من الفترات كاد البنك أن ينهار مما دفع الحكومة إلى التدخل لمنع الفضائح المركبة، فأقدمت على شراء مديونيات التجار والشركات والنافذين بقيمة أحد عشر مليار ريال، وذهبت تلك المبالغ أدراج الرياح، كما تهاوت الكثير من الشركات التي أسسها البنك وكانت تجارب فاشلة.
وهناك عثرات ومشاكل كبيرة استمعت إليها من المرحوم في أكثر من لقاء جمعني به يمكن أن تمثل قاعدة لأي إصلاح حقيقي للاقتصاد الوطني لمنع الأزمات المتصاعدة والفوضى المتلاحقة التي طالت الكثير من مؤسسات الدولة وليس البنك اليمني للإنشاء والتعمير فقط، وطالما استمر تجاهل هذه المظاهر السلبية وعدم التصدي لها بمعالجات جادة ومواقف حاسمة فإن الأمور ستزداد سوءاً ويكون المواطن هو الضحية .
رحم الله الأستاذ عبد الله إسحاق واسكنه فسيح جناته والعزاء لأبنائه وكل أهله ومحبيه، إنا لله وإنا إليه راجعون، والله من وراء القصد .