اليمن.. إلى أين¿
عبدالرحمن مراد

مقالة
عبدالرحمن مراد –

مقالة
الاختلاف في الأمم ظاهرة صحية وهي من أسباب التحضر والكمال وقد ناقش القرآن هذه الظاهرة باعتبارها قضية تكوينية في الذات البشرية ولا يمكن القفز على حقيقتها الموضوعية منذ بدء الخليقة حتى هذه اللحظة فالتدافع فطرة الله من أجل معالجة أسباب الثبات والحد من الفساد وقضية الاختلاف هو الصيرورة والتفاعل مع المتغيرات الحضارية وفي كل حقبة تاريخية كانت لمثل تلك الظواهر أدواتها الاجتماعية والثقافية والسياسية وظل الإنسان عبر تاريخه الطويل يجاهد في التدافع بأدوات الموت ويخترع آلاته ويتفنن في صنعها إلى أن وصل إلى أسلحة الدمار الشامل وحين امتلكها عاد إلى رشده وبدأ يفكر في أدوات أخرى فقال بحوار الحضارات وقال بالعولمة وقال بحوار الثقافات والتعايش السلمي واحترام الخيارات وأكد في العهود وفي المواثيق الدولية على حقوق الإنسانية جمعاء في العيش وفي الحرية وفي الحياة الكريمة ومثل تلك القيم والمبادئ الجديدة التي وصل إليها الإنسان كان النص المقدس القرآني قد أكد عليها وغفل عنها الإنسان وألهته صراعاته ودموية مكونه الثقافي من التأمل في مضامينها أو الاشتغال عليها ولذلك كان تاريخه امتدادا للماضي ولم يتغير منه إلا بالقدر الذي حقق كينونة بعض الجماعات في الوجود أو الظهور السياسي وظلت كل جماعة في تاريخنا العربي والإسلامي تتصف بالثبات والانغلاق على الذات ولم تتجدد فما قاله رموزها في التاريخ الثقافي لا يمكن مناقشته فهي لا ترى أن وعي الإنسان تحكمه الظروف والعوامل التاريخية والثقافية والاجتماعية فوعي الجماعات «التي عبرت الأزمنة» في ظروف نشأتها هو تعبير عن لحظتها وتعبير عن وعيها بتلك اللحظة ولكنه من المحال أن يظل ثابتا كنص مقدس فالتغير والتبدل سمة بشرية وكونية فالتفسير والتأويل للنص المقدس في القرن الثاني أو الثالث الهجري لا يمكنه أن يكون هو ذاته بعد أن تعددت وتطورت وسائل وأدوات المعرفة ووصل الإنسان إلى نظريات ومسلمات حديثة في المنطق وفي علم اللغة وفي اللسانيات كما وصل إلى عوالم تقنية واختراعات وحقائق علمية في الكون وفي الطبيعة وفي علم الاجتماع وفي حقائق وقوانين الطبيعة والحياة ومثل تلك الحقائق فسرت غموض النص المقدس وأحدثت متغيرا جذريا في البنية الثقافية العربية والإسلامية بيد أن الإنسان العربي ظل ثابتا في تفسيره وتأويله وفي تفاعله مع التبدلات عند حدود الوعي القديم ولم يتجاوزه بل وصل به التطرف إلى حد تكفير رموز التنوير الذين دعوا إلى إعمال العقل في التاريخ والموروث الثقافي ودعوا إلى إعادة قراءة وفهم مقاصد الإسلام وفق أدوات ووسائل المعرفة الحديثة ودفع الكثير من رموز التحديث والتجديد حياتهم ثمنا لمواقفهم وأكاد أسخر من أولئك دعاة التقدمية والطلائعية حين يقفون عند رموزهم الفكرية ولا يتفاعلون مع حركة التاريخ أو حالات الانتقال في الوعي الاجتماعي وفي ضروراته التي تفرضها مظاهر التطور الحضاري.
ومن هنا يمكن القول أن إشكالية الثبات في العقلية العربية هي السبب المباشر والأكثر ظهورا في التعثر الحضاري ونحن الآن نشهد صراعا في اليمن ترك تشوها في النفس وإلتباسا في المفهوم واغترابا عن الواقع وتناقضا في الموقف وشكل تهديدا للهوية الحضارية والثقافية وأفقد الذات قيمتها وأوقعها تحت سيف ثنائية التسلط والخضوع وتبعا لذلك شعر الإنسان بالفراغ وبغربة الانتماء الأمر الذي عزز من روح الغنيمة والتسلط فما كنا نعده من الكبائر بالأمس أصبحنا نعده اليوم من الصغائر وكل جماعة أو حزب أو كيان يرون في الآخر شيئا فائضا عن الحاجة ولا قيمة لأحد في هذا الوجود سواهم ويظل الوطن هو المشروع الغائب من أجندة كل أولئك الذين يتحيزون فكريا ويصطفون جماعات أو جهات لم نجد أحدا من كل أولئك يتحدث بصورة علمية وموضوعية عن اليمن وعن مستقبله وعن أمنه واستقراره وعن تنميته وحضاريته وقيمته الثقافية وإن تحدث منهم أحد فمن باب المكايدة والمزايدة السياسية ليس إلا ولذلك فقد أصبح من الضرورة بمكان أن يصطف المثقف والمفكر والأكاديمي إلى جانب الوطن حتى يتمكنوا من تشكيل كتلة توازنه في عالم يتصارع فيه الكل من أجل إقصاء وإلغاء الكل.
اليمن ليس بلدا عابرا ولكنه بلد يضرب بجذوره في عمق الحضارات الإنسانية وفي عمق التاريخ ومن المعيب أن نتركه عرضة لأهواء الجماعات والأحزاب أو لمصالحهم الضيقة فالانتصار لليمن هو انتصار للتاريخ وللكينونة وللهوية الحضارية والثقافية ولقيم الخير والحق والسلام.
ما أخلص إليه من قول هو أن حالة الثبات سمة بارزة في الذهنية العربية وبالتالي فالتغيير الحقيقي والانتقال يبدأ من لحظة تج