النوم مع الجراح

جمال أحمد الظاهري

جمال أحمد الظاهري –
مازالت منتظرة وما زال القلم متسمرا في يدها إلا من انتقالات بسيطة بين المنضدة واناملها يهزه الحنين الى الماضي المجيد وشوق جارف لرسم الحروف الأولى من عنوان المستقبل الذي يتناسب مع ذاك الماضي.
يناديها بين فينة واخرى وحين تتلكأ أو تتجاهله يصرخ كطفل يرفض الفطام مولع بالرضاعة من محبرتها التي كساها غبار الزمن يتململ بين حضنها ويرسم ابتساماته التي لا تخلو من مسحة من عتاب الهجران وزيف الايادي التي تناولته على حين غفلة من أمه الحقيقية.
رغم عطشه الشديد وشوقه إلى تلك الانامل وتلك المحابر التي كلما شرب منها ازداد نهمه لارتشافها إلا أنه اليوم يفضل العطش ويفضل الإهمال والنسيان في الزوايا المعتمة على شرب زيف المشاعر التي كانت ولا تزال تسكن داخلها الالام والآهات.
يتلوى متنقلا بين أصابعها وفمها باحثا عن الجديد في حياتها وعن تلك الإشراقة التي خبت في محياها عن ذاك الضياء الذي كان مبعث فخر واعتزاز لكل ابنائها العظماء فيما هي عالقة بين وهم عودة الماضي الساطع وحقيقة اليوم الذي زيفته المرضعات المستأجرة يفضل رضيعها امتصاص رحيق اصابعه على امتصاص اثداء ملوثة لاتكترث للطهارة.
ورغم ولعها وشوقها إلى رؤية أحرفه النقية التي سيدون بها سيرتها وتاريخها الا أنها تفضل الانتظار طاوية أوراقها البيضاء ومتأبطة لها ومفضلة أن يظل تاريخها نقيا بين تلافيف الذاكرة.
بصمت وأناة تنشر أوراقها عند كل صباح لتطويها عند كل مغيب وترحل كل ليلة الى مأواها لتنام مع جراحها وعزلتها تحلم بحضن دافئ كان قد رضع من ثدييها الحنين ومعانى العزة واكل من كفيها ثمار الوفاء والأمل والمحبة.
في كل ليلة وقبل أن تنام تراجع ما كتب على صفحاتها من أوجاع وتعد السطور النازفة حزنا فيعتصر قلبها المقيد بسلاسل ابنائها الجاحدين فتسبح في غيبوبة اليقظان تكلم ذاتها وتعاتبها وتستتفسرها عن سبب هذا الجحود وهذا الخذلان وقبل أن يجبرها السكون على الاستسلام للنوم توطد نفسها على الإيمان والاحتساب معتدة بيقين الحقيقة وحتمية القدر المتقلب.
وعند كل صباح تعاود الكرة من جديد وتسرق من ركام الخذلان بصيص أمل بحياة تترجم حروفها على اوراق وردية منتشية بلذة أشعة كل صبح جديد مخلفة تباريح تسكن أمسها الذاوي بدموع وآهات مكوث طال شتاؤه وغربة مع الزمن المقفر.
لحظات لطالما عاشتها وحلمت فيها بغد مشرق وببزوغ نجمها من جديد وبتاريخ يخطه قلم شرب من محبرتها الناضحة بعشق ضيائها وأمجادها قلم معتز بهويته وانتمائه إلى ترابها مكتحل بترابها ومغتسل بطهور مائها الذي لا يقبل بطهور غيره.

aldahry1@hotmail.com

قد يعجبك ايضا