انطلاقة تاريخية تنفض وعثاء الصراع بصوت البراءة
كتب محمد محمد إبراهيم

كتب/ محمد محمد إبراهيم –
ما الذي دار في قاعة دار الرئاسة التي جمعت كل من يمثل خارطة اليمن الديموغرافية من كل منحدر وشاهق وسفح وسهل وجزيرة ¿ سؤال بأهميته انتظرت إجابته دول الأشقاء والأصدقاء قبل الملايين من اليمنيين داخل الوطن وخارجه.. كان الانتظار على جمر التوجس يخاتل الأمل ولا يريد اليأس ولو بمجرد التفكير بعدم مصداقية من سيلتقون من كل حدب وصوب في قاعة تختزل بداخلها ما جرى في اليمن من صراع وصل حد الاقتتال بين أحفاد سبأ وحمير فتناحروا وتحاوروا واختلفوا واتفقوا وترفقوا وتحدوا مرارا على مر العصور لكن دائما ما كانت تجتمع الأجساد بينما القلوب تلعب على أوتار الصراع خارج الصالات المغلقة.. لتغلف المشاعر نفسها بلغة وابتسامات من إشعاع السياسة القاتل..
كان الحضور سيلا عارما من البشر والمشاعر.. ومثلما اتحدت ملامح الصفح والتسامح على وجوه فرقاء السياسة تناما لدى معشر الحضور اليمني الإحساس ببداية كونية جديدة للمجتمع اليمني فمن الساعة الثامنة والنصف بدأت تلتقي الوجوه اليمنية ببعضها وبالوجوه الدولية من الأشقاء والأصدقاء في اتجاهها إلى دار الرئاسة لإعلان انطلاق فعالية المؤتمر الذي سيستمر ستة أشهر لعبور ما تبقى من عتبات خارطة طريق التسوية السياسية التي ميزت اليمن بالحكمة وجنبتها موائل الدول التي عمها خراب ودمار عاصفة الربيع العربي.. ومثلما قرأنا – لحظة توافد المجاميع – في عيون الأشقاء الخليجيين فرحة هذه الانطلاقة المتوöجة للمبادرة الخليجية وآليتها المزمنة وهو يعكس مصداقية المواقف الخليجية الداعمة لليمن إنسانيا وتنمويا وسياسيا.. لاحظنا أيضا اهتمام المجتمع الدولي من خلال التفاعل الجاد في مؤتمرات أصدقاء اليمن المختلفة ودعواتهم المتكررة للمجتمع اليمني تغليب مصلحة الوطن والمواطن وأن يتنفس الجميع من رئة الشفافية والمصداقية لإخراج اليمن إلى بر الأمان والديمقراطية.. هكذا تبادر الجميع إلى دار الرئاسة في النهدين منذ الصباح الباكر.. كل واحد يحمل برأسه فكرة وتوجسا وسؤالا لكن الأمل يحدو الجميع لجلسة توحöد المشاعر بأنسنة اللقاء وتيقظ العواطف بالبراءة المغدورة بجرم ما سيصنعه الخصام والصراع من استهلاك حاضرنا وقتل مستقبل أبنائنا.. ليرفضنا المستقبل كما نرفض الماضي ولو كنا جزء من صانعيه..
جدل وضوضاء
كانت الساعة تشير إلى التاسعة والنصف والجموع تتوافد لأخذ مواقعها المحددة في نظام أمني صارم وترتيب محكم الدقة والانسجام.. وتتبادر للذهن معادلات ومفارقات شتى فابتسامة الضباط والجند ذوي الجاهزية العالية في وجوه الواصلين إلى مقر الاجتماع لا تعني أنك ستمر دون التفتيش المعتاد ولا تعني عدم يقظتهم عن كل ما حولهم من احتمالات الشر – التي تكلست في الذهنية الأمنية تباعا لجرائم التطرف والغلو والإرهاب كآفات طالت البلد بكثير من الكوارث الإنسانية- بل تعكس سمة اليمني الكريم ولو بالابتسامة في كل مكان أو موقع وظيفي أو إداري.. القاعة تمتلئ رويدا والضوضاء تخنق الأفكار ولحظات الانتظار بأسئلة كلها لا تخرج عن الأمل بهذا الحوار الذي جمع أشتات الفرقاء ورعاية الأشقاء ودعم الأصدقاء.. جماعات وأحزاب وقوى تبادلت بالأمس جرم الترصد لبعضها ولعنة الاقتتال من فوهات البنادق لكنها تلتقي في صباح الـ(18) من مارس 2013م مسرجة اشراقة الصفح بابتسامة الخجل هذا ما قرأته وتهامسته مع من كان بجواري من الزملاء الإعلاميين والصحفيين والمصادر الإعلامية- من المنظمين للحفل والأكاديميين والمسئولين وضيوف اليمن- التي نصافحها على عجل من الوقت.. الضوضاء تزداد والزحام يحتدم والقاعة قاربت على الامتلاء إن لم نقل التخمة والحضور الاستثناء.. الفنيين والإعلاميين يشاكسون كعادتهم الحراس والمنظمين لتجاوزوا الخطوط المسموح بها صوب المنصة التي سيعلن من عليها موعد البدء لانطلاق مؤتمر الحوار الوطني الذي جاء بعد عام ونيف من الاعداد والترتيب.. النöصاب المتوقع والمرسوم له اكتمل والقوى السياسية بأحزابها العريقة والعتيقة والجديدة واليسار واليمن والقوى القبلية مشايخ ورموز اجتماعية وممثلي السلطة المحلية وممثلي منظمات المجتمع المدني وشرائح المرأة والشباب والمهمشين ومكونات المجتمع اليمني ريفا وحضرا.. مدنا وقرى.. وممثلي المجتمع الدولي والدول العشر الراعية والداعمة للتسوية السياسية في اليمن.. مندوبو وسائل الإعلام المحلية والأجنبية أشعلوا الأجواء استعدادا وفضولا وضوضاء.. فخامة المشير عبدربه منصور هادي يدخل القاعة بخطى وثابة وعزم وطني لا يلين.. الكل يقف بما فيهم ممثلي الدول الصديقة والشقيقة استقبالا لرجل الصبر والمرحلة العصيبة الذي أثبت بصمت إن معادلة الكلام لا تكفي إلا إذا سبقها العمل.
البراءة تصادر السياسة
