العدالة الاجتماعية في النموذج التنموي
أ.د محمد أحمد الأفندي
أ.د/ محمد أحمد الأفندي –
كنت قد ذكرت في مقالي السابق أن للنموذج التنموي الجديد ثلاثة مضامين أساسية أو أن هذا النموذج يمثل مثلثا بأضلاع ثلاثة تمثل العدالة الاجتماعية قاعدة المثلث وهي جوهر المضمون الاجتماعي للنموذج.
بينما يشكل المضمون الاقتصادي والمضمون المكاني ضلعا هذا المثلث أخصص هذا المقال للحديث عن مقاصد العدالة الاجتماعية باعتبارها حجر الزاوية الحاكمة لنتائج وثمار النموذج التنموي.
إن العدالة الاجتماعية هي مبدأ قيمي وأخلاقي أساسي واسع التفسير وله تطبيقاته العملية الشاملة والمتنوعة.
وهي في التصور الإسلامي تعني تحقيق كرامة الإنسان الذي كرمه الله بها (( ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر…الآية)) وبمقاصدها المادية والمعنوية والروحية لذلك فهي تمثل مبدأ أصيلا لاستقامة الحياة وعمارة الأرض وتقليل الفوارق بين الناس وتحقيق الأمن والاستقرار الاجتماعي.
فتحقيق الكرامة الإنسانية يكفل تحقيق الحياة الحرة الكريمة وليست منحة من أحد ولكنها حق مكفول ومن ثم فإن التنمية هي كرامة الإنسان وكرامته هي غاية التنمية مما يعني أنه لا بد من كفالة فرص حقيقية للمواطن .
لقد ظلت العدالة الاجتماعية الشغل الشاغل للمفكرين والفلاسفة وهما عند السياسيين ومعيارا للاقتصاديين في قياس الكفاءة الاقتصادية والاجتماعية لأي نظام اقتصادي.
فالنظام الاقتصادي عندما يكون قادرا على تمليك أفراد المجتمع المنافع وتحقيق مستوى مرتفع للعدالة والإنصاف في توزيع ثمار التنمية وعندما يكون قادرا على تقليل الفوارق بين الأفراد وإزالة التوتر والصراعات الاجتماعية والسياسية فإن هذا النظام يكون قد نجح نسبيا في تحقيق العدالة الاجتماعية.
فالعدالة الاجتماعية بمضمونها الاجتماعي عميقة الصلة ليس فقط بمستوى الإنصاف في توزيع الثروة والدخل والفرص الاقتصادية والاجتماعية والسياسية وإنما أيضا بتقليل الفوارق بين الافراد وترتبط بمفهوم العدالة الاجتماعية قضية ذات أهمية جوهرية للاستقرار الاجتماعي هي قضية التماسك الاجتماعي التي ترتبط ارتباطا وثيقا بإنجاز الاستقرار الاجتماعي والتكافل والتوازن الاجتماعي.
فلا تنمية مستدامة مالم تتم المحافظة على التماسك الاجتماعي وبه تتحقق الثقة العامة بين النظام الاقتصادي والجماعة السياسية والاقتصادية فالتماسك الاجتماعي يمثل هدفا جوهريا لتفادي الآثار الجانبية أو السلبية للاقتصاد الحر المنفلت الذي يولد الفردية الأنانية ويضعف المسئوليات المشتركة ويوسع الفجوة بين الأغنياء والفقراء.
ولذلك فإن أي نظام اقتصادي لن يكون كفؤا اجتماعيا ما لم يكن قادرا على ترسيخ التماسك الاجتماعي بين الأفراد وزيادة درجته ومستواه وهذا يتطلب الاستثمار في منظومة التماسك الاجتماعي التي من شأنها أن تعظم الأهداف والمصالح والمنافع المشتركة وقيم العمل الجماعي وتنجز التضامن والتكافل الاجتماعي.
واليوم أضحى للتماسك الاجتماعي مقاصد رئيسية ثلاثة تعتبر مقاييس عالمية لقياس مستوى انجاز النظام الاقتصادي لأبعاد العدالة الاجتماعية.
فالإدماج الاجتماعي والحراك الاجتماعي ورأس المال الاجتماعي تمثل مقاصد أساسية للتماسك الاجتماعي. يتضمن بعد الادماج الاجتماعي تقييم المستوى الذي يتيحه النظام الاقتصادي من فرص المشاركة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية للأفراد .
ومن مؤشرات قياس هذا البعد تقييم حجم الموارد الجديدة التي يتيحها النظام لمجالات التنمية الاجتماعية الأساسية كالانفاق على الرعاية الصحية والتعليم والحماية الاجتماعية (مؤشرات التنمية البشرية).
كذلك فحص وتقييم الانفاق على التنمية الريفية حتى يكون الريف كالحضر إضافة إلى تقييم مستوى الانفاق على مكافحة العادات الاجتماعية السلبية كالثار والتهميش الاجتماعي لبعض الفئات وتقييم مستوى الانفاق على حل الصراعات والصلح بين الجماعات والأفراد.
أما بعد الحراك الاجتماعي فإنه يعني مدى الالتزام بمبدأ تكافؤ الفرص المحرز ونتائجه على مستوى رضى الأفراد وسعادتهم وهذا يتطلب قياس مدى نجاعة السياسات الاجتماعية والاقتصادية التي تؤسس لشراكة منظمة وفاعلة للأفراد وبالاضافة إلى ذلك تقييم مستوى فاعلية المؤسسات الديمقراطية ومدى تمسكها بالدفاع عن قواعد الشراكة وتكافؤ الفرص بين أفراد المجتمع.
ومن جانب آخر فإن تراكم رأس المال الاجتماعي يتضمن تقييم مستوى الثقة بين أفراد المجتمع والمؤسسات ونتائج ذلك على شعور الأفراد بالانتماء إلى المجتمع.
وهذا يتطلب تقييم مستوى الشراكة في تم