الحوار.. حيوية العقل وثقافة الروح

أحمد يحيى الديلمي

 - 
أجمع فقهاء الشرع وأصحاب علم الكلام على تعريف موحد للحكمة فقالوا: «الحكمة تعني وضع الشيء في موضعه والإصابة في القول والفعل» مثل هذا الاستدلال لا شك أنه سيتوجب إعمال العقل والمنطق لترجمة المضمون الكلي لمعاني الحكمة ومعرفة
أحمد يحيى الديلمي –
أجمع فقهاء الشرع وأصحاب علم الكلام على تعريف موحد للحكمة فقالوا: «الحكمة تعني وضع الشيء في موضعه والإصابة في القول والفعل» مثل هذا الاستدلال لا شك أنه سيتوجب إعمال العقل والمنطق لترجمة المضمون الكلي لمعاني الحكمة ومعرفة الارتباط العضوي بين نفس المضمون وبين النص النبوي الشريف الذي جعل اليمن واليمنيين مهبط الإيمان والحكمة بقوله صلى الله عليه وآله وسلم «الإيمان يمان والحكمة يمانية» للإحاطة بدلالات الأحداث التاريخية ولفت الانتباه إلى الزوايا الخفية التي رفعت نبرة وحدة النقائض ولعبت دورا مباشرا في اختزال العلاقة الجدلية التي كان المفترض أن تربط الإنسان اليمني بهذه المقولة العظيمة والاستفادة منها في تبصير العقول وإنارة دروب الخلاص باستلهام معاني الأخوة والتسامح وتنقية النفوس من كل الضغائن والأحقاد. يستوجب الأمر الارتهان إلى قيم الاستقامة والضوابط الأخلاقية الثابتة في أحكام الشريعة تجنبا للالتباسات والتقديرات الخاطئة في الأزمنة المنكسرة عندما يصل البشر إلى مرحلة اليأس المتطرف. وتتعاظم الأوجاع وتتراكم الموروثات السقيمة في رفوف الذاكرة وما يترتب عليها من حروب عبثية. وتتعدد مظاهر الانتفاع والتوظيف المشبوه لمفردات الحكمة فإن الأمر يتطلب تجاوز كل الاختلالات وهدم أسوار العداوات والخصومات في قعر النفوس للتوافق مع حديث الرسول صلى الله عليه وآله وسلم.
من ذات المنطلق المتصل بالحكمة وحقيقة الإيمان فإن الحديث عن الحوار اليوم يستوجب استحضار معاني الحكمة والجمع بين حيوية العقل وثقافة الروح كأساس لتنقية النفوس من الضغائن والأحقاد وموروثات التخلف المنبوذة لكي تتهيأ الأجواء لحوار صادق يجمع النخب تحت مظلة الوطن المتصلة بمعاني الحكمة وأصالة الروح لكي تستيقظ الضمائر وتتوقد الأذهان وتتحد المشاعر وتلتقي العواطف على كلمة سواء. ما يجب أن يدركه المعنيون بالحوار أن العقول البشرية تعرضت لعدوان سافر قاد إلى:
> الإمعان في شراء الضمائر وتزييف وعي الناس بكل أساليب التشويش والتلبس والتعطيل وهي أساليب انتهازية قامت على الخداع والشعارات الزائفة والنبوءات الغامضة والوعود الكاذبة وفقا لمقتضيات انتزاع الشرعية للحاكم أو الحزب السياسي. هذه الرغبات المشبوهة تقاطعت مع مصالح القيادات القبلية وبعض القوى السياسية فتركت ظلالا ثقيلة على المضمون الديمقراطي وفكرة التعددية السياسية وحرية التعبير والتبادل السلمي لللسلطة.
> في الجانب الديني تم الابتعاد عن المشروع الحضاري للإسلام بأفقه الثوري التغييري من خلال معاداة الفلسفة ورفض وظيفة العقل النقدية فكانت النتيجة اتساع نطاق فقه التشدد والانغلاق والغلو والتطرف وما ترتب على هذه الظواهر من قيام حركات جهادية ضالة ومنظومات فكرية حبست نفسها في نطاق النص والارتهان إلى الذات بشكل حصري مطلق اقتضى استدعاء مظاهر البداوة والثقافة القبلية على حساب هوية الإسلام وخصوصياته الحضارية حتى الجماعات التي تظاهرت بالتحرر والاستنارة خضعت لإرادة العقول المفخخة بالماضي وموروثاته العقيمة فكانت مصدر الانتكاسة.
الحقيقة إن الاختلالات المتجذرة في الواقع مخيفة وقد تنحو بالحوار منحا مخيفا ويكون لها دور كبير في خلط الأوراق وايجاد معادلات معقدة تنتهي إلى تعميق أزمة الثقة بين القوى المتحاورة وهي ثغرة خطيرة إذا توغلت في النفوس وتمددت في الذهنيات يغدو من الصعب الخلاص من تأثيراتها والتداعيات المترتبة عليها خاصة إذا تورمت وأعادت كل شيء إلى مربع التأزم والاحتقان عندها لا يتردد الجميع عن تغليب المصالح الذاتية الضيقة بأبعادها القبلية والمناطقية والمذهبية والحزبية. للأسف أغلب القوى السياسية تراهن كثيرا على الرعاية الإقليمية والدولية وهو أمر هام وحيوي يجب أن تتباهى به لأن اليمن نالت الرقم القياسي من الاهتمام والرعاية ببعديهما الإقليمي والدولي إلا أن هذا التباهي لا يعني التنصل من المسؤوليات وعدم التفاعل والمشاركة الإيجابية في الحوار واقتراح الحلول والمعالجات الكفيلة بإخراج الوطن من أزمته الراهنة.
وبالتالي فإن الهروب أو التقاعس وحصر الاهتمام في محيط الذات سيمثل استخفافا بمشاعر وآمال الغالبية من أبناء الوطن فالواقع مخيف لا يقبل التذاكي وشيطنة الرغبات أو تغليفها بشعارات جوفاء ولن يقبل المصالحات الهشة والاتفاقات والمعالجات الهشة طالما أن كل شيء مهيأ للاحتقان والتأزم في أية لحظة فإن المطلوب تأكيد حيوية العقول وترجمة مضمون الحكمة التي أخبر عنها الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم والارتقاء إلى مصاف الحكمة يس

قد يعجبك ايضا