الإقناع بالعنف
نادرة عبد القدوس
نادرة عبد القدوس –
كم هو مغلوب على أمره هذا المواطن فما أن يتنفس الصعداء من مرحلة سياسية إلا ويجد نفسه يعود إلى نقطة الصفر ليعيش مرة أخرى تحت وطأة الظلم والذل والفساد, وكما يقول المثل الشعبي المصري « تيتي تيتي كما رحتö جيتö « .
متى يرتاح هذا المواطن المسكين المغلوب على أمره ¿ متى يشعر هذا المواطن بإنسانيته وبقيمته في الحياة ¿ متى يجد هذا المواطن الغذاء والكساء والرفاهية المشروعة دون عناء وشقاء وما يسبب له من أمراض الدنيا الفانية من ارتفاع الضغط إلى السكتة الدماغية ¿
متى يعيش هذا المواطن مرتاحا في هذا الوطن الغالي والغني بثرواته البشرية والطبيعية كبقية البشر عبيد الرحمن في بقاع العالم أجمع ¿ باختصار شديد .. متى يرتاح المواطن اليمني من الغبن والضيم والفساد ومن بيدهم القرار في رفع معيشته وخفضها من رجال السوء في دهاليز الحكومة والسلطة السياسية عموما ¿
ما جعلني أبدأ مقالتي بهذا الأسلوب المحبط هو أن ما حدث أمام عيني في صباح لم تمرسويعات على تنفسه حتى وجدنا من يخترق هدوء العمارة التي تسكن فيها صديقتي العزيزة الدكتورة سامية عبد المجيد الأغبري ـ كنت ضيفة عندها ليومين ارتاح فيهما من حرارة جو عدن الخانق ـ (طقم ) عسكري وجنود مدججين بالسلاح وأفراد مدنيين وساد العمارة جو من الهرج والمرج . ظننا في البدء أن جريمة ما حدثت في العمارة أو لعل عهد زوار الفجر قد عاد . ولم تستطع صديقتي الأغبرية الصبر والتفرج عن بعد فلبست عباءتها مسرعة ونزلت تستطلع الأمر .. ففوجئت بأفراد من موظفي مؤسسة الكهرباء يطلبون من سكان العمارة فتح مخزن عدادات الكهرباء الموجود في الدور الأرضي من العمارة لتغيير نظام العدادات الحالية بأجهزة نظام الدفع المسبق (كروت تعبئة رصيد) والسكان يرفضون ذلك وبإصرار .
في بلدان العالم المتطوروالمتقدم ـ ومن ضمنها عدد من البلدان العربية ـ عندما تشتهي السلطة إصدار قانون أو قرار أو أي (فرمان ) يسبق هذه الخطوة عدد من الإجراءات التوعوية التي من شأنها تهيئة المواطن وإعداده لتقبل المشروع القادم الجديد وتعريف المواطن به ومن تم محاولة إقناعه بأهميته وبضرورته في حياته وأهدافه التي لعلها تفيده وتفيد الوطن الذي هو وطن الجميع وليس لثلة من الناس .
ما الضير لو أن المؤسسة العامة للكهرباء في وزارة الكهرباء والطاقة قامت بوضع برنامج توعوي للمواطنين عن هذا المشروع الجديد الذي نعرف أنه معمول به في بلدان أخرى في المعمورة وهي تعلم أن نسبة الجهل والأمية في بلادنا متقدمة وأرقامها عالية¿ ما المانع لو أقدمت وزارة الكهرباء والطاقة أو المؤسسة العامة للكهرباء مع وسائل الإعلام الحكومية وغير الحكومية المتعاونة على التنسيق المشترك والبدء بحملة إعلامية توعوية من أجل تعريف المواطن بهذا المشروع المستجد حتى يقتنع المواطن ويوافق عليه طواعية ولن يحتاج إلى مرافقة أطقم عسكرية لتخويف المواطن الغلبان وترويع أطفاله ونسائه ¿
في الأخير.. ما الذي يضمن للمواطن توفير المؤسسة لكروت التعبئة في حال انتهاء رصيد استخدام الطاقة الكهربائية ¿ أظن أن هذا المشروع المتطور لا يمكن يطبق ولا ينجح استخدامه إلا في بلد يعيش أمنا واستقرارا سياسيا واقتصاديا . كما لا يمكن أن يحقق هذا المشروع النجاح المأمول إلا في بلد ينعم مواطنوه بالمواطنة المتساوية والقضاء العادل والاستقرار النفسي وتوفير فرص التعليم والعمل لكل المواطنين.
وقد تناهى إلى مسامعنا أن مشروع نظام الدفع المسبق له آثاره السلبية على جيب المواطن حيث سيضطر المواطن إلى دفع مبالغ باهظة مقابل استخدام الطاقة الكهربائية في بيته وهذا سيجبره على عدم استخدام كثير من الأجهزة الكهربائية ومنها الضرورية كالمكيفات الهوائية في المناطق الحارة أو السخانات في المناطق الباردة .. افيدونا يا أولوا الألباب .
وملحوظة أخيرة .. عيب كل العيب أن يأتي موظف حكومي لتأدية واجبه في عمل مدني برفقة قوة أمنية مسلحة .. عيب كل العيب أن يخاطب هذا الموظف النساء, مهددا إياهن بالعسكر .. وعيب كل العيب أن يظن العسكر أن توجد امرأة اليوم تخاف من بنادقهم وقد كان لنساء العمارة التي رفضت مشروع الكهرباء الجديد عبرة لهم حيث ذهبوا كما أتوا.