مليونا سؤال صومالي

أحمد الطرس العرامي


أحمد الطرس العرامي –
‮> قبل أسابيع عبرت الحكومة اليمنية عن قلقها لأن (عدد اللاجئين الصوماليين في اليمن بلغ حوالي مليوني شخص ولا يزال الآلاف منهم يتدفقون بشكل مستمر) أما أنا فأعبر عن قلقي لأن الحكومة قلقة ولم تفعل شيئا إزاء قلقها.
تقارير تتحدث عن انتشارهم في صنعاء وعدن وزارة الداخلية تقول أنها قبضت على عدد منهم ثمة مخيمات في(خرز-لحج) بينما الوطن كله أشبه بمخيم كبير للاجئين.
منذ شهور أراهم في ذمار يجلسون في الأرصفة أو تحت ظلال أشجار الطريق العام يأكلون من صناديق القمامة أو ينتظرون عند المطاعم أملا في أن يحصلوا على بقايا وجبات الزبائن لا يعرفون العربية لكنهم يعرفون أن يضموا أصابع اليد اليمنى ويشيرون بها إلى أفواههم ثم يدعون السبابة وحدها تشير إلى السماء… قد يمتلكون بضع كلمات مثل (الفرزة) أو (الله) أو (عربي ما في) أو الصمت لكنهم بالتأكيد يمتلكون خرائط بدائية وأقداما سمراء تحكي قصة الإنسان الأول الذي بزغ من أفريقيا تقطع مسافات موغلة في الألم والمعاناة خطى لا تنظر إلى الوراء الجسر الذي تعبره تطويه خلفها قد يقود إلى المجهول لكنه خيار اللاعودة.
ينامون في الشوارع في الأرصفة وفي أحسن الأحوال في منازل تحت الإنشاء تظهر منهم جماعات ثم تختفي كما لو كان الأمر يتم بشكل منظم… الناس يتحدثون عن عمليات تهريب منظمة إلى السعودية ما نعرفه هو أنهم يأتون من خارج ذمار يحفظون اسم «رداع» جيدا كما لو كانت تعويذة يسألون عنها لحظة وصولهم شوهدوا أكثر من مرة وهم يسافرون راجلين صوبها…
قبل أيام في طريقي من ذمار إلى رداع على جانبي الطريق عدد الصوماليين الذين رأيتهم يكاد يقترب من عدد اليمنيين الصباح هو وقت انتشارهم يقول لي سائق الباص بالفعل ونحن في طريق العودة لم نجدهم بتلك الكثرة التي لاحظناها في الصباح… ربما ضاعوا في زحام الظهيرة لكنهم ما زالوا ملحوظين وبشكل لافت.
في الصباح رأيناهم يمشون في مجموعات… يمشون في الأرصفة في المدن أو الأسواق الصغيرة المبعثرة في الطريق بالقرب من مزارع القات مكدسين في السيارات «المكشوفة». بعضهم أطفال أعمار معظمهم تتراوح ما بين (الثامنة عشرة والثلاثين) (ربما هم من قاوموا مشاق السفر) أكثر من مرة أوقفتنا مجموعات منهم يريدون نقلهم صارت هناك لغة إشارة بينهم وبين سائقي الأجرة:
-«فلوس» – «ما في فلوس»
– «خلاص الله معكم»…يتركهم ويمضي…
صوت حزين من المقعد الخلفي «للباص» يرتل «القرآن الكريم» بلكنة أفريقية يقرأ بين الحين والآخر يقرأ كلما اقتربنا من «نقطة تفتيش» طريقة ذكية لتجاوز النقاط تجاوزنا نقطتين قبل أن نمر بالثالثة ليوقفنا جندي بزي الحرس الجمهوري يفتح نافذة الباص (كانت نصف مفتوحة) ويدخل رأسه حتى يكاد يصطدم برأس «القارئ» الأسمر الذي يبدو منهمكا في قراءة القرآن يسأله ويحاول استثارته:
– «ورية»
-………….
– «ورية من أين جاي¿!»
-…………………
– «ورية» «يييييييييييييييييييه»
(الورية) يستمر في تلاوة آيات من عمق القرآن الكريم يمد العسكري يده ويطبق المصحف الصغير الذي يكاد يختفي بين يديه:
– وريه: صدق الله العظيم.
– صدق الله العظيم
– من وين جاي¿!
– عربي ما في…
– والله إنك تعرف العربي لكن موغادة يا (وريه)…
-………..
-والله إنك قاعدة… يلاا يا باص روح الله معك…
لم يستأنف القارئ الأسمر قراءته ظل المصحف مطبقا بين يديه…لكنه بدا في حالة استعداد لإشهاره في أي لحظة كما لو كان جواز سفره بدأت أحدثه لكنه قاطعني:
– عربي ما في….
أحد الطلاب من قسم الإنجليزي عرف ماذا أريد وبدأ يسأله: هل تتحدث الإنجليزية¿ أجاب بالإيجاب ومضى يتحدث معه ما إن رآني أسحب الدفتر من حقيبتي وأبدأ بالتسجيل حتى بدا مرتبكا يتخبط في كلامه أخيرا صرح أنه «أحيانا يفهم الإنجليزية وأحيانا لا» وظل يكرر هذه الإجصابة على كل سؤال لاحق إلى جانب إجابة أخرى «الله» أو «God» ويشير إلى السماء…
أصبت بخيبة أمل… المعلومات التي كنا قد خرجنا بها شحيحة جدا: اسمه نجم الدين حسين جاء اليمن منذ ثلاثين يوما جاءها عبر البحر يعمل في مزارع القات في رداع أجرته في اليوم 1000 ريال. (أجرة العامل اليمني 2500 ريال تقريبا)… يرتبك فينتف لحيته «التي بالكاد تكون لحية» أتأمله…. يبدو لي في الثلاثين من عمره (أكثر أو أقل بقليل) جسمه ممتلئ يقول صديقي: (أصحاب الأجسام الممتلئة من أثيوبيا وأصحاب الأجسام الهزيلة من الصومال).
نزل القارئ الأسمر في بداية رداع اكتفى السائق بمائة ريال بعد أن أعياه الصمت ونظرات الشفقة التي يتقنها «الورية» قبل أن يمضي يلف حكايته الغمو

قد يعجبك ايضا