الثورات العربية وأزمة الإنسانية المزمنة (1-2)
منير أحمد قائد
منير أحمد قائد –
منير أحمد قائد
منذ تأسيس منظمة الأمم المتحدة عام 1945م لم تنجح في تحقيق العدالة والسلام والأمن الدولي ولم يستطع النظام الدولي القائم أن يحقق العدل والمساواة ومعالجة قضايا المجتمع الإنساني ولم تجلب الحضارة الإنسانية الجديدة الرفاهية والسعادة لكل أبنائه على الرغم من أهمية إنجازاتها الغزيرة وخاصة في مجالات ثورة التكنولوجيا والمعلومات فظل أغلبية وحدات المجتمع الدولي وغالبية أبناء المجتمع الإنساني يعانون من تأثيرات وانعكاسات الأزمة المستفحلة في المجتمع البشري في هذا العصر بكل جوانبها الدينية الاقتصادية الاجتماعية الثقافية الحضارية التاريخية الإنسانية العلمية وغيرها وبكل عناوينها الكبيرة وفي مقدمتها الإشكاليات العميقة المزمنة الناجمة عن فشل دور ووظيفة القوة والثروة على الصعيد العالمي والإنساني وكنتاج لسوء إدارتهما من المركز بما يؤدي إلى تفاقم المشكلات الإنسانية وتفجر الصراعات والحروب وغياب العدل والسلام والأمن والمساواة وأصبح المجتمع البشري نتيجة ذلك يعيش فاقدا لكرامته البشرية وفي ظل هذه الأزمة البشرية المتفاقمة والمزمنة والشاملة ظلت ولا تزال الأمة العربية والإسلامية منذ بداية عصر التنوير والنهضة في أوروبا هي الحلقة الأساسية ضمن كل حلقات هذه الأزمة فتحول كل نطاق الأمة إلى ساحة أساسية للصراعات العالمية عبر دور القوة والثروة والتي تأخذ في كل مرحلة طابعا مختلفا عن آخر في مرحلة أخرى ونجحت هذه الصراعات في تنفيذ مشروع التجزئة والحفاظ عليه والقضاء على أي مشروع نهضوي وحضاري شامل على الرغم من استمرار المقاومة بأنماط وصيغ مختلفة إبان كل مرحلة وتأثرها سلبيا أحيانا بآثار وانعكاسات وإفرازات الصراعات العالمية في نطاق الأمة هي نتاج الأسباب الجوهرية والحقيقية لجذور هذه الصراعات منذ قيام الدولة العربية الإسلامية وحتى سقوطها الفعلي في القرن الخامس عشر عندما ظهرت السفينة المحيطية على أيدي العرب فاستخدمها غيرهم من الأوروبيين في اكتشاف أربع قارات هي أمريكا الشمالية وأمريكا الجنوبية واستراليا والقطبية بالإضافة إلى آلاف الجزر الواقعة داخل المحيط.
وراهنا في ظل العولمة المتوحشة وثورة التكنولوجيا والاتصالات والمعلومات وتجسد مقولة أن العالم أصبح قرية واحدة تفجرت ما أسميت ثورات الربيع العربي والعالم كله في أزمته المزمنة ما زال يفتقد لنموذج الدولة ونظام الحكم والإدارة القابل للتمدد والمحقق للعدل الحقيقي والسلام والأمن والمساواة والسعادة والرفاهية للناس وكان من ميزات هذه الثورات أنها لم تحمل سمات وصفات ومفاهيم الثورات التي نظر لها كبار الفلاسفة وعلماء السياسة وعلم الاجتماع في الغرب كما أنها لم تقدم مفاهيم جديدة مستوحاة من واقعها لتضاف كإنجازات علمية للفكر السياسي الإنساني لذلك لا يمكن تجاوزها أو القفز عليها كأحداث مهمة تداخل وتشابك في حركتها وإفرازاتها ما هو إيجابي وسلبي والتقت في حركتها هذه اعتبارات معطيات الواقع الجزئي لنطاقها والواقع الكلي على صعيد المجتمع الدولي ومسارات الصراعات فيه على المصالح والسيطرة والنفوذ ومع اتساع نطاق هذه الثورات تطور انقسام الرأي العام العربي حولها إلى انقسام دولي يحتكم إلى مقدار امتلاك عوامل ومكونات القوة والصراع على المصالح والنفوذ والثروة وكل المصالح الاستراتيجية المصيرية وفي الوقت الذي يؤكد فيه الواقع العربي الراهن أنه يمتلك كل المبررات والعوامل التي تفرض عليه تفجير ثورة شاملة فيه ناضجة وواعية على كافة الأصعدة الحياتية وفق مفاهيم جديدة وفكر عربي إنساني جديد فإن أيا من ثورات الربيع العربي لم تقدم نموذجا مطلوبا للثورة المنشودة لتفرض ذاتها وتتمدد حركة فعاليتها على النطاق العالمي والإنساني كإسهام ودور فاعل في معالجة الأزمة الإنسانية الكبرى المزمنة فمثلت هذه الثورات نماذج تغييرية مختلفة كل منها له خصائصه وتتكامل مع بعضها في إطار التقاء حواضن جزئية لها في المجتمعات التي تفجرت فيها وليس حواضن كلية دون أن نغفل وجود فعل ثوري تلقائي وعفوي في نطاق هذه الثورات لا علاقة له بإدارة توجيهها سياسيا واجتماعيا وما تفرضه أحداثها من معطيات جديدة آنية لا صلة لها بالتغيير الحقيقي الجوهري النوعي والتاريخي والحضاري المنشود للأمة ولا علاقة لها بالثورة الإنسانية الناضجة والواعية المنشودة للأمة لتحقيق مشروع النهوض الحضاري والعلمي الشامل والقضاء على التجزئة والتخلف والصراعات ومعالجة كل القضايا والمشكلات التي يعاني منها أبناء الأمة على الرغم من أهمية ثورات الربيع العربي كأحداث تاريخية مهمة على طريق إنضاج الظروف الموضوعية والذاتية لتفجر الثورة الإنسانية الشاملة بقوة الفكر الإنساني الجديد وبغض النظر عن الجوانب السلبية والإيجابية الآنية لهذه الثورات وما حققته من معطيات جديدة وما نتج عنها من مشكلات فإن أيا منها