لعبة النسق التاريخي!!

علي ربيع


 - تاريخيا  كانت اليمن تعيش هاجسين اثنين تمليهما ظروف القوة: إما هاجس الوحدة وإما هاجس الانفصال بغض النظر عن دوافع كل قوة لكنها في كل الأحوال لا تخرج عن دوافع التملك والهيمنة وبسط النفوذ وتحقيق المغانم وحب التسلط مقابل ما يمن
علي ربيع –

تاريخيا كانت اليمن تعيش هاجسين اثنين تمليهما ظروف القوة: إما هاجس الوحدة وإما هاجس الانفصال بغض النظر عن دوافع كل قوة لكنها في كل الأحوال لا تخرج عن دوافع التملك والهيمنة وبسط النفوذ وتحقيق المغانم وحب التسلط مقابل ما يمن به هذا الحاكم أو ذاك من هبات وعطايا أو إنجازات تحمل اسمه ليس باعتبارها حقوقا للشعب ولكن كمكارم أو صدقات مكارم يشترى بها الأعوان وصدقات يصفد بها مشاعر العامة إلى قوائم عرش الحاكمية المقدس المانع المانح.
*في 22 مايو 1990م أعلن قادة النظامين الحاكمين في شمال اليمن وجنوبه قيام الجمهورية اليمنية واتفق النظامان على الصيغة الإجرائية الشكلية لاقتسام الحكم وكانت شعارات الديمقراطية والتعددية الحزبية هي المعالم الرئيسية في هذه الصيغة التي أملتها شروط الممكن لتحقيق وحدة النظامين سلميا وبالتالي فقد كانت الصيغة في جوهرها من أجل النظامين وليس من أجل مستقبل الإنسان في الشطرين فضلا عن أن كل نظام منهما كان يضمر عدم التخلي عن قوته السلطوية لصالح قوة الصيغة المتفق عليها.
* كانت الوحدة اليمنية بغض النظر عن صيغتها تلك محاولة لتوحيد نظامين يتقاسمان شعبا واحدا وبطريقة سلمية وهو ما شكل خروجا على المعطيات التاريخية التي كانت توحد اليمن أو تجزئه إنها سلطة القوة وليس غيرها لهذا جاءت حرب 1994م لتضع الوحدة اليمنية ضمن نسقها التاريخي الطبيعي نسق الوحدة السياسية بالقوة فاليمن هو اليمن تاريخيا وجغرافيا واجتماعيا ويحمل المكونات الحضارية والثقافية الواحدة وإن تنوعت وتعددت ومن حين لآخر كانت تأتي القوة لتوحده سياسيا أو تشرذمه دون أن يضيف التوحد والتشرذم شيئا أو ينتقص شيئا من الحقيقة التاريخية للشعب الواحد والجغرافيا الواحدة والهوية الواحدة.
*وحدة 1990م التي تمت خارج قاعدة النسق التاريخي لم تصمد أربع سنوات لأن حاكميتها برأسين وقوتين وإرادتين كانت تدافع كل منهما عن ذاتها وبقائها وتحاول تكريس سلطويتها على حساب الأخرى لم يكن الإنسان في هذا الشعب هو الغاية أو الهدف بل كان على مدار التاريخ هو المسحوق بين شقي الرحى ووقود حرب الصراع قميص عثمان تارة وحصان طروادة تارة أخرى.
*لم تنجح قوتا وحدة 1990م في الاندماج أو التوحد ولا في التقاسم والتعايش لأن جراب السلطة لا يحتمل إلا سيفا واحدا وقوة واحدة وحاكما واحدا تبدى للعيان ذلك المختبئ وراء الأكمة وحدث ما حدث في 1994م قررت قوة الانفصال الاستئثار بنصف الجراب وقررت قوة الوحدة الاحتفاظ بالجراب كاملا ولو كلفها أن تجمعه حطاما أو رمادا من تحت حوافر المعركة وكان لها ذلك.
*اليوم الحراك الجنوبي يستلهم ذلك الهاجس التاريخي هاجس الانفصال القديم لكنه لا يمتلك من القوة ما يكفيه لتحقيق سلطة الانفصال وحاكميته الجديدة فهل بدأ الوعي الشعبي للإنسان اليمني يفهم لعبة النسق التاريخي للقوة في توحيده وتجزئته¿ وهل بدأ يدرك بشكل أوضح أن الانسياق للنسق التاريخي الذي تفرضه قوة الوحدة أو قوة الانفصال لم ينتصر له حتى الآن¿
وهل أصبحت النخب السياسية تعي أن الطريق الوحيدة للخلاص تكمن في خلق نسق جديد تمليه قوة التحول صوب الإنسان¿ نسق جديد يجب أن يتشكل على طاولة مؤتمر الحوار الوطني القادم ليطيح بثقافة النسق التاريخي القديم وصولا إلى تشكيل وعي جديد لا يكون مضطرا للوقوع تحت طائلة قوة الانفصال أو التشرذم ولا خاضعا للنسق القائم الذي تفرضه ثقافة وحدة القوة في سياقها ومكوناتها التاريخية.
*ما نريده ويريده كل يمني هو أن تنتصر نتائج مؤتمر الحوار لنسق الدولة الحديثة المؤسس على قوة الوعي وليس على وعي القوة نسق يكون فيه الإنسان هو صانع التغيير ومحوره وغايته والكلمة العليا فيه لصالح العقد الاجتماعي الذي يحكم بعدله ويتحكم بقوته في تنظيم علاقات مجتمع الدولة المدنية حيث يتحقق نسق قوة العدالة في دولة الإنسان لا نسق قوة السلطة في الوحدة أو الانفصال.

قد يعجبك ايضا