اليمن تستعد لفقدان أهم مومياء في تاريخها

تحقيق صقر الصنيدي


تحقيق/ صقر الصنيدي –

كتبت إليه إحدى طالباته عقب قراءتها لأهم كتبه (لقد كنت منذ أشهر في اليمن وهناك وجدت مومياء مكتملة الشكل وتحديدا في جامعة صنعاء متحف قسم الآثار) صدمت تلك الرسالة عالم الآثار هورد ريد الذي ذهب إلى كل مكان تقريبا يصنع المومياء مصر أمريكا الجنوبية الصين جزر الكناري لكنه لم يفكر أو يسمع عن قيام حضارة سبأ بالتحنيط قال (لم أكن أتصور وجود مومياءات في هذا الجزء من شبه الجزيرة العربية).
ورغم الحالة الأمنية غير المشجعة إلا أن هورد جمع فريقا علميا وجاء إلى جامعة صنعاء بحثا عن تلك المومياء التي رأتها إحدى طالباته في زيارتها حدث هذا منذ سنوات قليلة مضت.

أما اليوم إذا فكر الفريق الأثري الذي وثق جزءا هاما من تاريخ التحنيط في اليمن فلن يسمح له حتى بمجرد الدخول إلى جناح المومياءات في متحف قسم الآثار في صنعاء وإن أصر الفريق على رؤية تلك المرأة المحنطة في الجناح فلن يضمن لهم أحد سلامتهم ونجاتهم من أكثر البكتيريا ضررا على الإنسان والمعروفة ببكتيريا المومياءات وأسبوعيا يتأكد شرف المختص بالمتحف من أن الباب مغلق بصورة جيدة وأنه لا أحد يفكر بالدخول.
لقد مرت سنوات منذ أن تم توفير محلول كيميائي خاص بالحماية لكن يبدو أنه نفد وأن البكتيريا انتصرت وأحرمت الدارسين والزوار من الدخول إلى 500 عام قبل الميلاد والاكتفاء برؤية الآثار الإسلامية الموجودة هناك هذا ليس كل شيء لدينا ما هو أسوأ عدم توفير المحلول خلال فترة قصيرة لا تتجاوز أسابيع سيدفع إلى قيام اليمنيين بتشييع أهم مومياء تم اكتشافها حتى اليوم قبل أن يصل اللصوص إليها (سنضطر إلى دفنها) متحسرا يتحدث الدكتور عبدالحكيم شائف أستاذ المومياءات في الجامعة والأكثر معرفة بهذه المرأة فتخصصه يقتضي أن يدرس تفاصيل حياتها قبل 2500 عام وما الذي كانت تتناوله وكيف ماتت وكم كان عمرها وتفاصيل أخرى (يبدو أن دفنها سيمثل له يوما حزينا كما لو أنها ماتت بالفعل ولم تمت قبل كل هذه القرون) يصف أحد طلاب المستوى الثاني حالة أستاذه المتخصص في المومياءات: تطغى أخبار الامتحانات وحركة اللجان والكنترول على هذه الكارثة التي تمر بصمت (نفقد الماضي كله مقابل الانشغال باليسير من حاضرنا) قالت طالبة آثار تبحث عن اسمها في الجداول المعلقة.
بدا رئيس قسم الآثار الدكتور فهمي الأغبري متفهما ومتعاونا لكنه غير قادر على عمل شيء لإنقاذ مومياء تتحلل وتموت وتصبح ذكرى (عجزنا عن المحافظة عليها لقد بعثنا برسائل لشراء المحلول الكيميائي الضروري للحفظ لكن لم يتم عمل أي شيء – ما زلنا في الانتظار من أي كان).
ويوضح الأغبري أن المحلول موجود في اليمن ويمكن توفيره بسهولة وليس مكلفا.
أهم يمنية في علم الآثار
يعود إلى هذه المرأة في الداخل الفضل كاملا في إثبات قيام اليمنيين بالتحنيط نظرا لأنه تم الاحتفاظ بها بصورة جيدة دون أن تتعرض للعبث وفي عام 1982م كان مجموعة من أهالي شبام الغراس قد عثروا على مقبرة كهفية في أحد الجبال هناك وأسرع فريق من المختصين في الآثار من جامعة صنعاء وكانوا حديثي التخرج من القاهرة ومدركين لقيمة كل قطعة في المقبرة – حاولوا عمل حفرية إنقاذية وتم العثور على هذه المرأة وهي ما تزال تحتفظ بهيئتها وحتى بظفيرة شعرها – لم تمسسها يد من قبل غير تلك التي قامت بتحنيطها وكانت المومياءات الأخرى قد تعرضت للنبش والعبث بحثا عن الذهب الذي يعتقد الأهالي أنه موجود (لا نستفيد من المومياء التي يتم العبث فيها وتصبح مجرد جثة يجب دفنها إكراما لها) يقول أستاذ المومياءات.
عاد الفريق محملا بتلك المومياء لتوضع في متحف خاص بقسم الآثار في صنعاء ويقوم بصيانتها علماء آثار مصريين وتزورها آلاف الأعين ويعجب بها المختصون – في حملة هورد ريد جاءت أيضا جوان فيوتشر وهي خبيرة في صناعة المومياءات المصرية وخبيرة دراسة شعر الأسلاف أثارها منظر شعر المرأة وهو ما زال مربوطا في ظفيرة وقالت في فيلم توثيق الزيارة (إننا نقف وجها لوجه أمام يمنية قديمة ما تزال تحافظ على شكلها).
ثم بدأت في دراسة ما إذا كان اليمنيون يقومون بكسر عظم الأنف لإزالة الدماغ وتوصلت إلى أن هذا لم يحدث ولم يلجأ إليه السبئيون كما كان يتبع المصريون.
وخصصيا جاء استيفن باكلي عالم كيمياء آثار بريطاني لأخذ عينات منها لإجراء تحليلات دقيقة عليها في أحدث مختبرات انجلترا وهناك تم تحديد عمر المومياء والمواد المستخدمة وما إذا كانت تشبه مواد استخدمها المصريون القدامى أو غيرهم في التحنيط وتبين بعد أشهر من التحليلات المعقدة أن هناك خصوصية في التحنيط اليمني وعوامل اشتراك وتشابه مع غيرهم خاصة مع المصريين وهو ما فسره الدكتور عبدالغني الشرعبي أستاذ الآثار القديمة ومتخصص في العلاقات اليمنية المصرية القديمة

قد يعجبك ايضا