لقد بدأت معركة التعددية

مروان المعشر


مروان المعشر –
انتقل مرشح الإخوان المسلمين لمنصب الرئاسة في مصر إلى جولة ثانية من الانتخابات. وفيما يتنامى الخوف أكثر من صعود الإسلاميين يهöيúج الحنين للعالم العربي القديم بين الكثيرين داخل المنطقة وخارجها. وقد بدأ البعض في الترويج للحجة القائلة بأن الأنظمة السابقة قيدت الحريات الشخصية وخنقت التنمية الاقتصادية لكننا على الأقل كنا نعرف من الذي كنا نتعامل معه وأين كنا نقف. كانت الفوضى تحت السيطرة.
واليوم يقود إلقاء لمحة سريعة على عناوين الصحف في أنحاء العالم المرء إلى الاعتقاد بأنه يجري تحريض الإسلام السياسي ضد العلمانية في معركة السيطرة على العالم العربي الجديد. ومن الواضح أن صعود الإسلاميين يذúكي المخاوف في الغرب ويجعل الكثيرين يصخبون من أجل العودة إلى الأيام الخوالي التي كان فيها “الشاطر حسن” (الرجال الطيبون) يتولى المسؤولية.

لاتشتروا هذه الدعاية المضللة

هذا التفكير يتجاهل الواقع. فهو يموه مشاكل الماضي ويعكس توقعات غير واقعية لتحولات سياسية فورية في أعقاب الثورات ويصف بشكل غير صحيح المعركة التي تدور رحاها في العالم العربي.
مايجري ليس صداما بين الإسلام وبين بقية الأطراف بل إنه معركة من أجل التعددية تضع المؤمنين بالتعددية من كلا المعسكرين العلماني والإسلامي في سباق مع أولئك الذين يتمسكون بأفكار الإقصاء أو التفوق التي عفا عليها الزمن ويصرون على حرمان الآخرين.
لكي يحقق الانتصار في هذه المعركة لايمكننا تجاهل ثلاثة دروس حاسمة تخرج من رماد العالم العربي القديم.
أولا الحياة السياسية الانتخابية لايمكن تجنبها وهي ضرورية. فالإصلاحات المفروضة من فوق ليست كافية لتحقيق النضج السياسي. وكل الجماعات والأحزاب في حاجة إلى إجراء تغييرات والمشاركة في الحياة السياسية على أرض الواقع لتحقيق رغبات المجتمع وحاجاته.
ولعل هذا هو الدرس الأهم الذي عرفه الإسلاميون على مايبدو منذ عقود. المرء ليس في حاجة سوى أن يشير إلى نجاحات الإخوان المسلمين في مصر. بعض العلمانيين من ناحية أخرى تناوبوا بين التنظير السياسي النخبوي وتلطيخ سمعة السياسة الحزبية. وهذا التفكير جعل الكثيرين منهم منفصلين عن التطورات الجارية ومفتقرين إلى شبكات كافية على الأرض كي يحققوا النجاح. في المدى القصير هذا هو الخبر السار بالنسبة إلى الإسلاميين لكن الحياة السياسية الانتخابية هي السبيل الوحيد للدفاع عن الحريات الفردية وحماية الحقوق السياسية.
ثانيا اعتماد جماعات أو أقليات معينة على الأنظمة الديكتاتورية لحماية حقوقها وضمان طريقتها في الحياة – في حين تغتصب حقوق مواطنيها – أمر لايمكن الدفاع عنه بكل بساطة. وعلى سبيل المثال دافع النظام السابق في تونس عن حقوق المرأة لكنه تجاهل حقوق آخرين كثر. ودعم الكثير من المسيحيين السوريين حكومة بشار الأسد التي قتلت الآلاف على مدى العام الماضي وذلك لمجرد أن نظام الأسد العلوي حمى حقوقهم الدينية في حين أن حكاما بديلين قد لايفعلون ذلك.
هذه مساومات غير مقبولة ولايمكن تحملها. بدلا من تجاهل سوء معاملة الآخرين ينبغي للمجموعات أن تكافح من أجل حقوق الجميع بغض النظر عن انتماءاتهم. هذه هي الطريقة الوحيدة التي يمكن النظر إليهم من خلالها كمواطنين وليس كأقليات.
ثالثا خسر الإسلاميون “قداستهم” في اللحظة التي دخلوا فيها عالم السياسة. وسواء كانوا متدينين أو علمانيين محافظين أو متطرفين في داخل الحكومة أو خارجها فإن كل الذين يدخلون المعترك السياسي لم يعودوا يعتمدون مقاربة “أنا أفضل منك أخلاقا”. فالناخبون في أنحاء العالم العربي سينظرون الآن إلى كل من يطمحون إلى القيادة على قدم المساواة.
الميدان في بلدان مثل مصر وتونس والمغرب وليبيا وغيرها مفتوح الآن للجميع والشعب وحده هو المصدر الحقيقي للسلطة. فقد أعلن المجتمع أن له الحق في أن يأتي بأي شخص إلى السلطة أو يزيحه عنها. ولايمكن للأحزاب الدينية التستر بالدين أو الانغماس في ادعاءات القداسة. فالشعارات من قبيل “الإسلام هو الحل” لن تنجح من دون أن ترافقها إجراءات. ولايمكن للعلمانيين منع الإسلاميين من العمل السياسي بحجة أن هؤلاء الأخيرين غير ملتزمين بالتعددية خاصة لأن القوى العلمانية كانت في الكثير من الأحيان هي التي تقلل إلى الحد الأدنى من السياسة المفتوحة في الماضي. “قداسة” كلا الطرفين ولت إلى غير رجعة.
ستكون الجماعات عرضة إلى المساءلة إذا مانجحت برامجها أو فشلت في تلبية احتياجات المواطنين. ستكون الخطابة والشعارات جوفاء إذا لم تتطابق مع وعودها بتقديم برامج ملموسة تخلق فرص العمل والدفاع عن حقوق الإنسان. هذا ماسينتهي به الحال ليشكل المعايير

قد يعجبك ايضا