نصوص فيسبوكيه
عبدالله حمود الفقيه
عبدالله حمود الفقيه –
< يقول المثل الشعبي: "لا تغرك بنات العيد ولا بقر علان" ولنا أن نضيف ولا نصوص الفيس بوك.
ذات يوم قالت الدكتورة آمنة النصيري– محöقة – وهي تتحدث عن كتاب النص الشعري الحديث “كأنهم يغشون من بعضهم” وتتوارد إلى ذهني هذه العبارة كلما قرأت نصا حداثيا أو استمعت لهذا الشاعر أو ذاك ويقفز إلى مخيلتي السؤال التالي: ترى لو أن أحدا فكر مرة أن يجمع معظم النصوص الشعرية التي كتبت مؤخرا في كتاب واحد دون أن ينسب كل نص لصاحبه ويقدمها للناس فهل سيشك أحد أن هذه النصوص كتبها شاعر واحد لا شعراء عديدون مختلفون اجتماعيا وفكريا وثقافيا وقطريا¿!! ذلك أن التشابه بين ما يكتب كبير قد يصل حد التماهي في كثير من الأحيان!
هناك أسباب كثيرة تتعلق بطبيعة المرحلة التي نعيشها والأحداث التي يمر بها الوطن العربي والثقافة المسيطرة على نسق التفكير الجمعي على المجتمعات العربية… وما إلى هنالك من ذلك لكن دعنا نشير هنا إلى شيء آخر هو المسيطر الآن: الشبكة العنكبوتية. فللثورة الإلكترونية التي شهدها العالم مؤخرا وانفتح عليها الشباب دور كبير في تغذية هذه الظاهرة وتعميقها فالمنتديات والمواقع الإلكترونية أسهمت في جعل النصوص الأدبية في متناول الجميع وأتاحت الفرصة للاطلاع والتلاقح الفكري والثقافي وإنتاج ما سمي بالنص التفاعلي الإلكتروني والنصوص المشتركة فأصبحت المعاني والأفكار مطروحة في الشبكة العنكبوتية وبضغطة زر يمكنك أن تقرأ الآلاف من النصوص الأدبية وتشارك الآخرين كتاباتهم وأفكارهم وتناقشها معهم ما عزز مبدأ التأثر والتأثير بين الكتاب وقارب بين الكثير من الأفكار والرؤى والهموم والتطلعات. فأصبح النت المنبع الأساس الذي يمتح منه الأدباء ويستلهمون نصوصهم وأساليبهم في الكتابة والإبداع.
فلم يصبح العالم وحده قرية واحدة بل أصبحت النصوص الأدبية نصا واحدا أو نصوصا متعددة منبعها واحد هو الثقافة الإلكترونية تلك التي يرöدها الكتاب ويغرفون منها ما يشاءون من معان وأفكار وصور. ولاشك أن لهذا الأمر إيجابياته فهناك من استطاع استغلال هذا الانفتاح الهائل على ثقافة الآخر فأفاد واستفاد من التلاقح الفكري والرؤيوي في إنتاج نصوص إبداعية حقيقية تشهد بمقدرة فذة على الخلق والإبداع وفي الوقت الذي يمر فيه المبدعون الحقيقيون على البساتين الإبداعية هنا وهناك كالنحلة التي تمتص الرحيق لتحوله إلى شيء عظيم وجميل وحلو يقوم أنصاف الأدباء وأرباعهم والراغبون في الشهرة بقلع الورود التي يجدونها في بساتين غيرهم ويغلفونها على حوائطهم مدعين أنها لهم وأنها مما جادت به قرائحهم الممتلئة بالإبداع والعبقرية وإنهم لسارقون وإن كان أكثر الناس لا يعلمون. وذلك هو الجانب السلبي الذي أفرزته هذه الشبكة العنكبوتية إذ أنتجت أدباء “قص لصق” ولم يذهب الزبد سوى إلى صفحات الويب والمواقع الالكترونية والصحف والمجلات.
وفي الآونة الأخيرة تأثر الأدب والكتابات الأدبية بالفيس بوك وما تقتضيه طبيعته الاجتماعية من مجاملات ومنافسة على الإدهاش والكتابة النثرية التي تقوم على المفارقة والتصوير ففقد الأدب الروح الإبداعية التي تميزه وتجعله قريبا من القلب تمتصه الروح وتتغذى عليه بريقه زائف آني يدهشك لحظة إيماضه وحين تحاول التعمق والغوص في الداخل تجد أنه سطحي لا عمق له لتستكنهه ولا أغوار لتسبرها ولا تجد سوى كومة ألفاظ ومعان مكدسة غير مترابطة وهشة وفارغة.
يكتب الكاتب في الدردشة لحبيبة افتراضية “مصنوعة من خشب الماسنجر العتيق” كما قال العزيز أحمد العرامي في أحد نصوصه وكل همه أن يستعرض عضلاته اللغوية والتصويرية ويحاول إثبات فحولته متوسلا بسلطة اللغة فتتسم النصوص التي يكتبها بالبرود والتصحر الناتج عن البرود العاطفي والضمور الروحي لدى الكاتب لحظة الكتابة فالكاتب حينئذ يصنع لا يخلق وشتان بين الصنع والخلúق وأنى للنص أن يكتسب الحياة ولم ينفخ الشاعر فيه من روحه المبدعة الخلاقة الصادقة.
وكثير من كتاب النص الحديث يدخلون معترك التنافس على كتابة النص والتسابق على التلاعب باللغة وتوظيف تقنية المفارقات ومفاجأة المتلقي بخرق قوانين اللغة وكل ذلك بالطبع من مميزات العمل الإبداعي وفقا لجان كوهين حين قال (إن الشعرية في الشعر تتحقق بالخرق الدائم لقانون اللغة) لكن في المقابل ليس كل خرق لقوانين اللغة شعرا أو إبداعا وبعضهم يحاول إثبات شاعريته وغزارته ليقال أنه يغترف من نهر فيلجأ إلى استنساخ نصوص الآخرين وصورهم وأفكارهم ويجري عليها عمليات التجميل ليخرج بنص يحصد (اللايكات) ويقرب إليه المعجبين والمعجبات فيشعر بعظمته ويحس أنه صار مبدعا كبيرا وكاتبا مفلöقا.
تتشابه الكثير من النصوص الحديثة في أن كتابها لا يهم معظمهم أن ينفخوا ال