زوروا مشاتل الزهور بصنعاء!!
بدر بن عقيل
بدر بن عقيل –
عادة عندما أكون متواجدا في (صنعاء) التي أعشقها كثيرا وتنتابني – أحيانا – حالة من الضجر والضيق نتيجة الزحام الخانق والضوضاء وضجيج السيارات واختناقي بالتلوث في جوها والاستماع في معظم لياليها إلى دوي إطلاق نار أو ألعاب ومفرقعات نارية تقض مضجعي وتؤرقني أو مشاهدة بعض الإخوة المواطنين يحملون الأسلحة أو من يبتاعون على أرصفة بعض شوارعها أحزمة ومخازن الرصاص أجد نفسي أهرب مسرعا إلى حيث أصحاب مشاتل بيع الورود والزهور وغرسات أشجار الزينة الواقع أمام جامع الصالح متنقلا من مشتل إلى آخر مستمتعا برؤية ما حولي تارة أستنشق عبير هذه الزهرة وتارة أخرى عبير هذه الوردة في متعة وانشراح لا يضاهيها أي شيء آخر.
أعترف أنه في هذه الرقعة الصغيرة الجميلة من مدينة صنعاء ثمة ملاذ وملجأ آمن ومفتوح ومتوج بأكاليل الورد وباقات الزهور وتسامق أشجار الزينة الصغيرة نحتاجه بشدة ولأسباب عديدة فأنت تشبع عينيك برؤية هذا السحر المدهش وبأشكال وألوان وأريج ما يحيط بك وما تعبر كل واحدة منها من لغة الأحاسيس والمشاعر الإنسانية الفياضة وما تستنشقه من أريجها العاطر. فتملأ رئتيك بهواء نقي متجدد.
ولاشك أن أصحاب هذه المشاتل والبائعين فيها تطبعوا برقة من المشاعر والتعامل اللطيف وأعطتهم خصوصية وجذبا إنسانيا متميزا, ولعلي تذكرت وأنا أتحدث إليهم وفي ضيافتهم تلك الشخصية العربية المشهورة لا يحضرني اسمها الآن حيث قال ذات لأصحابه تمنيت يوم أن أكون بائعا للورد وعندما سئل لماذا أجاب ذلك إن فاتني ريحه فلن يفوتني عطره واعتقد والورود ولا تجدها في أي مهنة وحرفة أخرى!!.
وتجوالي في مشاتل الورود والزهور وبالذات في الأيام الممطرة يغمرني لقد رايتك كيف تقبل الزهور والورود أول حبات قطرات الممطرة ويزيد من مساحة اريجة المعطر!!.
وأظن وأنا بداخل احد هذه, المشاتل جاءني صدى من كلمات الشاعر التونسي وهو يقول في غنائه المشهورة.
شوق الزهور وأتعلم
بين الحبايب تعرف تتكلم
فتشعر على التوأن هذه ليست مجرد مشاتل قائمة وفي انتظار زبون قادم يأخذ ما يحتاجه ثم يمضي بل مدرسة مفتوحة دون أسوار أو جدران على الهواء الطلق تعلمنا معنى الحياة والجمال ولغة التواصل مع الآخرين والتعبير عن مكنوناتنا من خلال لون واسم كل وردة وزهرة وماذا تحمل من معاني ودلالات.¿
إنك تخرج من مشاتل الزهور والورود الغناء والغارقة في الاخضرار وأبهى الألوان وقد تعلمت واستوعبت الدرس تماما وعرفت إجادة الكلام مع من تحب والتعبير عن حقيقة مشاعرك.
حقا هذه المشاتل تعطيك طاقة جديدة وشحنات إضافية تواجه وتقاوم بها مظاهر الضوضاء والزحام والتلوث ومظاهر حمل السلاح وبيع لوازمه في صنعاء وتقول لك بملء الفم والقلب: أن صنعاء مدينة جميلة ورائعة حباها الله جل جلاله بجمال رباني وطبيعة خلابة وبغيض الغمامة والنسائم العليلة والجبال المطلة عليها بمحبة ناهيك عن بيوتها الطينية العتيقة وأسواقها الشعبية ومساجدها ومآذنها الجليلة ومعالمها ومآثرها الأصيلة.
لكنها فقط بحاجة دائمة ومتجددة للحد والتقليل ومن ثم إنهاء هذه المظاهر والتخلف منها من خلال إقامة المزيد من الجسور والشوارع والتقاطعات والأنفاق والحدائق والمتنفسات العامة وتنظيم حركة سير الناس والآليات بصورة جيدة وعدم افتراش الباعة لأرصفة الشوارع إضافة إلى اللوائح والقوانين التي تنظم حمل السلاح والمتاجرة فيه وظاهرة الألعاب والمفرقعات النارية في المناسبات السعيدة.
إنه بالضرورة بمكان من التوافق والتناغم بين ما هو جميل وأنيق وحضاري ومبهج في مدينتنا الفاتنة (صنعاء) ولتكون أكثر إشراقا وبهاء ومدينة نظيفة ووديعة تشكل مصدر جذب كبير للسياح والوافدين إليها وهي مهمة ليست مستحيلة أو صعبة متى ما حسنت النوايا ووجدت الإرادة ووضعت الخطط والبرامج المدروسة بعناية واعتمدت المبالغ والإمكانيات المطلوبة ونفذ بكوادر كفؤة ومؤهلة ومشركات متخصصة.
ألم يقول المثل الشعبي اليمني: “صنعاء ما ابتنت في يوم” وذلك دليل على أن مدينة “صنعاء” من أقدم المدن التي أقيمت على سطح المعمورة أليس من بناها هو سام بن نوح عليه السلام¿! ولذا من الضرورة والواجب التواصل مع تطورها العمراني وتجديد وتعزيز بنيتها التحتية والخدمية والعمل على تنفيذ مبدأ الحساب والعقاب إزاء من يخاف القوانين واللوائح.
ونحن معنيين أن نكبر بتفكيرنا وعقولنا وعملنا بكبر ما شهدته وتشهده صنعاء من اتساع وتطور عمراني هائل وزيادة سكنية