فظاعات الحرب الأهلية

د.خالص جلبي

د.خالص جلبي –
سوريا مهددة بحرب أهلية طاحنة تحولها إلى بوسنة الشرق الأوسط ما لم تحدث معجزة أو تتدخل قوى أجنبية لتجنيبها مصير رواندا أو -وهو الأفضل- يتدخل عقلاء سوريا لتفادي هذا الاحتمال.
في رواندا مات في أسابيع من القتال بين قبائل التوتسي والهوتو 900 ألف إنسان مات قسم منهم بالسلاح الأبيض والسواطير. وكان بإمكان الأمم المتحدة إنقاذ حياة مليون شخص لو بعثت بآلاف من رجال القبعات الزرق كما اعترفت بذلك لاحقا أولبرايت وكلينتون.
وفي الحرب الأهلية الأميركية رافقت زوجات الجنرالات الحملة وكأنها مباراة كرة قدم وظنوا أنها مزحة لثلاثة أسابيع فقط فدامت أربع سنوات عجاف ومات 600 ألف في أقل التقديرات وتهدم الجنوب الأميركي ومازالت بصمات تلك الحرب الضروس باقية حتى اليوم.
وفي الصراع بين البلاشفة والمناشفة (الروس الحمر ضد الروس البيض) تحققت نبوءة راسبوتين بأن العائلة المالكة سوف تذبح وستهرب الطبقة الروسية الأرستقراطية وهو ما حصل وغادر روسيا بغير عودة عشرون مليونا من الروس البيض أما عدد من مات جوعا وبردا فلا يضمهم كتاب ولا يحصيهم ملف. وربما مات عشرون مليونا بتطبيقات لينين الصارمة للشيوعية حسب النظرية والكتب قبل أن تتخلص روسيا من السرطان على يدي جورباتشوف ثم يلتسين.
وفي الحرب الأهلية الإسبانية جرب النازيون الصعق من الجو مما حرك مخيلة بيكاسو أن يرسم صورة كارثة جورنيكا التي لم يبق منها إلا الأنقاض! وفي حرب الثلاثين عاما (1618 -1648) التي طحنت ألمانيا بين فكيها مات ستة ملايين ونصف المليون من السكان البالغ عددهم عشرين مليونا وتدمرت ثمانون ألف قرية ومدينة واحتاجت ألمانيا إلى ثمانين عاما كي ترمم نفسها وخرجت الكنيسة للمرة الأولى والأخيرة بفتوى جواز تعدد الزوجات بسبب هلاك النسل.
وفي لبنان رأينا كيف قتل الكل الكل في حملة انتحار جماعي فخرج الجميع بنتيجة مخيبة للجميع وما يمنع حربا جديدة هو أن الذاكرة لا تزال طازجة.
جرب البشر الحروب بكل أنواعها المذهبية والقومية والعالمية ليصلوا إلى النتيجة التي تقول إن الحرب إفلاس أخلاقي وجريمة وجنون وعاقبتها مدمرة للجميع. ولكن من ينتفع من مواعظ التاريخ¿
لقد ودع الغرب الحرب غير متأسف عليها فهي سابقا كانت تأتي بغنائم وأرباح أما اليوم فهي دمار متبادل. وصل الغرب إلى هذه الحقيقة حين امتلك سقف القوة متمثلا بأسلحة الدمار الشامل فعرف أن الحرب لم تعد مؤسسة رابحة وأنها مؤسسة مميتة لكن لا حرج من بيع هذا العتاد المميت كما كان يفعل الإسبان مع حضارة الازتيك حين كانوا يدفنون الخيول خفية على أنها كائنات لا تموت!
إن البعض ممن بيدهم القرار ماضون في خطهم الحالي نحو الهاوية ولذا فقد يندمون إن بقوا على قيد الحياة وقد لا يندمون ففرعون رأى انشقاق البحر فأمر الجنود بالمضي إلى قاعه ويبدو أن صاحبنا ماض على ذات الطريق “وما أمر فرعون برشيد يقدم قومه يوم القيامة فأوردهم النار وبئس الورد المورود”. “وأتبعوا في هذه لعنة ويوم القيامة بئس الرفد المرفود”.

الاتحاد الاماراتية

قد يعجبك ايضا