الاداب كطريقه حياة



«تشريح آلية النفوذ الأدبي» هو عنوان الكتاب الأخير للأستاذ الجامعي والناقد الأدبي الأميركي الشهير هارولد بلوم الذي تجاوز الثمانين من العمر وهو يقدم فيه الأدب كطريقة حياة كما جاء في العنوان الفرعي.
هذا الكتاب ولد من رغبة أن أقول في مكان واحد غالبية ما كنت قد تعلمته في مجال التفكير حول الكيفية التي يعمل على أساسها النفوذ في الأدب الإبداعي» هذا ما يعبر به مؤلف الكتاب عن محور فكرة الكتاب. وكان قد قدم في عام 1973 كتابا بعنوان «قلق النفوذ» الذي اعتبره النقاد عند صدوره بمثابة ثورة في عالم النقد الأوروبي. وقد كانت مسألة النفوذ في الأدب بمثابة الشغل الشاغل للمؤلف منذ سنوات السبعينات في القرن الماضي.
بكل الحالات يبدي المؤلف في هذا الكتاب كما في العديد من كتبه السابقة إخلاصا كبيرا لوليام شكسبير الذي يعتبر المؤسس ليس للأدب الحديث فحسب ولكن أيضا للشخصية الحديثة بكل ما تتضمنه من «وعي لذاتها اللامتناهية». ويرى أن أفضل الشخوص التي اخترعها شكسبير تتمثل في هاملت وكليوباترا. ولا يتردد المؤلف في القول ان أدب شكسبير يمثل دعوة دائمة لإعادة قراءته من جديد.
ولا شك أن هذا الكتاب يمثل في أحد مظاهره تأريخا كاملا للحركة الشعرية الأميركية الانجليزية وأن مؤلفه هو أحد أهم الوجوه حضورا في المشهد الأوروبي الأميركي خلال نصف القرن الأخير من موقع الباحث والأستاذ والناقد والشاعر. وهو يؤكد بهذه المجالات كلها على أهمية التجديد.
 تبقى وظيفة الناقد الأدبي محاولة تحديد النسب السري للأعمال الأدبية التي أمامه من شعر أو نثر. وذلك عبر اكتشاف الأصل العميق وربما البعيد في التاريخ الذي ينتسب إليه المبدع الحالي شاعرا كان أم روائيا. والإشارة الى أن عملية الكشف هذه ليست سهلة على الإطلاق. ذلك أن المعنيين يحرصون على وضع أقنعة كثيفة وإذا أمكن الإخفاء الكامل لمصادر النفوذ الحقيقية التي كانوا قد تأثروا بها.
يؤكد الكاتب في هذا السياق أهمية الاستفادة من التحليل النفساني على الطريقة التي طورها سيغموند فرويد. وتتم الإشارة هنا أيضا إلى عدد من الأعمال التي أنجزها بعض النقاد منذ سنوات الأربعينات في القرن الماضي تحت عنوان عريض وهو «فرويد والأدب». وبهذا المعنى «الفرويدي» يتحدث المؤلف عما يسميه «الرواية العائلية» التي تقوم على خلفية النزاعات بين الآباء والأبناء وكذلك حول مفهوم «عقدة اوديب».
ويشرح المؤلف أن التاريخ الداخلي للأدب هو وبمجمله تعبير عن الأزمة المستمرة ذات النتائج المتأخرة زمنيا. وقد وجدت بعض مصادر النفوذ في سياق السيرورة الزمنية مثل تلك التي مثلها شعراء مثل شكسبير وميلتون بالنسبة للأدب الانجليزي. ذلك أن سلطتهما بدت شاملة كاملة. وناضل بعدهما الشعراء باللغة الانجليزية كي يخترعوا أشعارا جديدة عبر إعادة كتابة ما كانا قد قدماه.
إحدى الصفات الأساسية التي يؤكدها المؤلف في ممارسة الكتابة الإبداعية أو النقد الأدبي تتمثل في امتلاك «عادات جيدة» في مجال القراءة. وترافق ذلك مع ذاكرة عملاقة. وهذه القاعدة اكتشفها المؤلف كما يقول منذ سنوات الطفولة وحرص دائما على ألا ينساها. ويشير الى أنه حفظ عن ظهر قلب «قصيده للشاعر «دبليو اس. ميروين» منذ المرة الأولى لسماعها وتحمل عنوان «رحيل الصديقة الصغيرة».
وأيضا «الذاكرة» نفسها وجدها المؤلف لدى صديقه صموئيل جونسون الذي كان يمتلك ذاكرة عملاقة إلى درجة أنه لم ينس أبدا ما كان قد سمعه أو قرأه كما ينقل المؤلف عن كاتب سيرة حياته. وينقل عن صديق آخر له أنه ردد 18 بيتا من الشعر بعد سماعها بدقائق قليلة.
وغير فقط إحدى الكلمات بحيث حسن بذلك من الصورة. ومما يكتبه المؤلف عن النقد الأدبي أنه له «المكانة الأولى» في الأدب. ويضيف: «إن النقد الأدبي كما أحاول عمله له المكانة الأولى في الأدب أي إنه شخصي وزاخر بالانفعالات».
ويؤكد المؤلف أنه ليس قادرا على عمل ما هو غير شخصي لكن الهدف دائما هو معرفة ولوج الطرق الملتوية التي تجمع بين الكتاب والنقاد الذين أناروا وكانوا مصدر الإلهام لسنوات طويلة. وبهذا المعنى يعتبر هارولد بلوم أن كتابه تشريح النفوذ هو بمثابة تأمل داخلي لمسيرة حياته عبر الأعمال الكبرى للمبدعين الغربيين.
ولا يتردد المؤلف في التأكيد أن ما يجده مثيرا للاهتمام في النقد الأدبي ينبغي أن يكون شخصيا بمقدار الشعر أو بعض الروايات والأعمال المسرحية. وذلك أنه أي النقد الأدبي إما أن يكون أدبا أو لا ينبغي أن يوجد.
وأما الموضوعية فهي مجرد: هزل أسطورة قليلة العمق. ولكن «الذاتية العميقة» في غاية الصعوبة. وبكل الحالات هذا الكتاب هو شخصي وزاخر بالذكريات الخاصة بعمليات اكتشاف الأدباء. إنه نوع من السيرة الذاتية الأدبية إذا صح التعبير.
 
الأدب كطريقة حياة

قد يعجبك ايضا