قصص تنبض بهموم الناس

بشير المصقري


بشير المصقري –
من الأعلى دأبت القاصة الذمارية “حفصة مجلي” في مجموعتها القصصية البكر الصادرة في العام 2010م والموسومة “لا ينظرون إلى الأعلى” على وضع القصة في الأعلى باعتبار أن القصة التي تحمل عنوان المجموعة جاءت تفاصيلها من الأعلى وهي تومئ بالسرد المتنصل من الخيال والاتجاه نحو الواقعية والوقائع حيث إن معظم القصص إن لم تكن كلها تدور في أفق يتعاطى بصيغة واقعية مع حوادث الشارع بوصفه مسرحا للاعتمالات الحياتية لتجيء باستفسار مرده المجيú بأجوبة إلماحية لحالة ومعنى ودلالات تعدد هموم الناس لكون الشارع أفق عام تتداخل فيه شتا المواقف ونتاجات احتكاك بني البشر ببعضهم البعض وكانت الحصيلة الهادفة لنقل صورة الشارع ذات تجليات تحكي الطرائق العشوائية المعاشة في نهارات يحركها الصخب والزخم والتدافع والتسابق المحموم الذي لا يخرج من إطار استحثاث الكائنات لتحقيق مرامات لا تأتي لتشخص ذمار مدينة القاصة بنموذجية تبين خصوصية مدينة بعينها عن بقية المدن اليمنية ففي الشارع يتبدى النزق والتهور وتغيب الرزانة في أتون دوشة مكان مرتبك حيث إن من قبيل البداهة أن يبدو مرتبكا بطبيعة الحال وهذه الفوتغرافية القادمة في مفرادات الصورة تتلاشى واقعيتها بعوامل فنية وعناصر قصصية ودراميات تعكس واقع التخبط المنبعث من داخل البيت اليمني مما يحيل القارئ إلى فرض معادلات خيالية تؤكد أن حالة الإرتباك السائد في الشارع ماهي إلا ترجمة لما يحدث في ثنايا العلائق الأسرية التي ما تفتأ تستمرئ وقائع الشارع وبطريقة مباشرة لها سياق ثلاثي أطرافه القاصة والشارع والقارئ الأمر الذي مكن القاصة من كتابة قصة لاتتأثر بخلوها من الخيال مستعينة بما تراكم في مخيلة وبال المتلقي من مواريث اجتماعية يتكسبها الأفراد في متواليات نهارات يمنية صاخبة .
ولأن الشارع كان الفضاء الذي تدور فيه معظم قصص المجموعة يمكنني أن أجزم بأن نوازع الكتابة لدى القاصة حفصة مجلي تتسم بالتحوير الاجتماعي باعتبار أن للقاصة شغفا كبيرا لوصف الغائر من الطباع والتقليغات والتصرفات التي تحدث في الشارع اليمني الذي لا يختلف من مدينة إلى أخرى
وذلك ينبئ بأن القاصة لا تحبذ نقل الفكرة والشخوص والمواقف من ذاكرتها كما يفعلن معظم بنات جنسها من القاصات على الأقل في ذمار بل تعمد إلى النفاذ من جدران منزلها ليس قبل أن تلملم أفكار القصص من الشارع لحظة مرورها منه ويعد الأمر هنا بمثابة رصد حي ومباشر يتحصله الذهن ثم يتشكل سردا مع عودتها حين تلتقي والكتابة تحت سقف شفاف يسمح برؤية السماء وجدران كالأطياف تمكن من الرؤية إلى الفضاء الطلق وفي الغالب يكون هذا النوع من السرد صعب لأنه قد ينتج قصصا غارقة في المباشرة والتقريرية والإسهاب الممل الخالي من عنصر تزويج الواقعية بالعاطفة وبمطعمات تتعلق بخلق لغة مشرقة واللعب على تراتبية معينة تفيد الوصف الجاف للوقائع والأحداث مثلا وهذا ما يجب الوقوف عنده تفحص معه قدرات حفصة مجلي التي تخلصت من ذلك الجفاف الذي كان سيلامس قصصها لو أنها لم تستخدم التراث والرمز والأساطير والتاريخ لنسج رسائل اجتماعية إشارات إلى أحاسيس تداعب ذهن القارئ بلطف تارة وتوظف سخريات الأقدار تارة أخرى كما هو الحال في قصة ” إسعاف ” التي تحكي عن رجل فقير تحاصره الهموم وتخنقه الالتزامات اليومية لعائلته ليقرر أن يتخلص من تلك الأوراق النقدية التالفة بشراء نوع من الفواكة ليفرح به أطفاله ثم يواصل المسير لتداهمه سيارة إسعاف وتصدم جسده الهزيل وتتيعثر الفواكه في قارعة الشارع فيما يخفف وقع الإرتطام حين يقرأ عبارة ” إسعاف ” على مقدمة السيارة فينفجر بالضحك ويردد عبارة .. إسعاف .. إسعاف .. ويضحك وهو رهين حالة هيستيريا مرددا السيارة التي صدمتني إسعاف .. وهذا نموذج من نماذج الشارع اليمني الذي تصطاد حفصه مجلي أحد المواقف من بين ثناياه بطرافة عملت على تعويض القصة عن الخيال وعن المنولوج الذي يتوجب أن يكون حاضرا مع هكذا قصص
وفي قصة بعنوان ” بداية ” يطل الشارع مغمورا بالسكون وملفوفا بالسكينة متجردا من ذلك الصخب الذي يكتنف الشارع نهارا وهذه المرة تأتي صورة الشارع في منتصف الليل حيث يخرج شاب من منزله بعد عناء ومكابدة السهد جراء التوقان على فتاة أحلامه التي يتمناها زوجة ليطلق العنان لقدميه لتأخذه من حي على آخر ومن حارة إلى أختها على إيقاعات ليل بارد ثم يركل قمقما فيخرج من القمقم عفريت يطلب من الشاب أن يتمنى أمرا ليحققه له فطلب الشاب من الجني أن يطلعه على رد الفتاة التي يحبها بعد أن ذهبت أمه لخطبتها له وعادت تنتظر رأي الفتاة وأهلها .. فقال له الجني لقد رفضت الفتاة الزواج بك وأسمعه مقاطع من الحوار الذي دار بين الفتاة وأمها ومنه قول الفتاة
كيف أتزوج به وهو مازال يعتمد على أبيه فمنذ أن تخرج من الجامعة وهو يقبع في المنزل كالأرملة يقعد في البيت لا يعمل وينتظر مصروفه م

قد يعجبك ايضا