كيف نفكر¿ »الحلقة الثانية«
د غيلان الشرجبي
د/ غيلان الشرجبي –
لقد قيل قديما “إن الفلسفة أم العلوم” من واقع سيادة الفلسفة على تلك الجهود العلمية المبكرة التي بذلها فلاسفة اليونان والإغريق في مجال الطب وعلم الفلك والرياضيات وسواها فكانت أعمالهم أقرب إلى “النتاج العلمي الكشكولي “الجامع لكافة الفروع المعرفية التي ظلت كذلك لقرون طويلة ثم حان الوقت لاستقلالية كل منها نتيجة تشعب البحوث وتراكم المادة العلمية في كل مجال على حدة وضرورة التخصص العام – أولا- والتخصص الدقيق – مؤخرا- نظرا لصعوبة إلمام الدارس بكل ما تتطلبه الخبرة والمهارة من شروط الأداء المهني في المجالات المختلفة كالطب والهندسة – بفروعها التخصصية المتنوعة – على سبيل المثال لا الحصر وإلا فإن تشعبا كهذا قد فرضته الضرورة على التخصصات الأخرى ورغم ذلك ظل تأثير الفلسفة قائما ويكفي أن نلاحظ شغف الدراسات الأكاديمية بذلك الإرث القديم /الجديد الذي مازال يتصدر الوثائق الخاصة بالدراسات العليا بالحديث عن فلسفة التربية وفلسفة المجتمع إلخ.. للإجابة على التساؤلات الجوهرية: من نحن ماذا نريد كيف نبلغ ما نريد وما الذي نريد أن تكون عليه الأجيال وكيف يترجم المنهج الدراسي لهذه الإرادة إلى أهداف سلوكية¿ فالتعليم يقاس بمدى ما نكتسبه من خبرات ومهارات تطبيقية وسلوكيات تربوية جديرة بإثبات أن العملية التربوية قد تمكنت من تغيير وتهذيب وتشذيب تلك الشوائب التي تكونت لدى الدارس قبل التحاقه بالمؤسسات التربوية التعليمية وبالتالي التعديل المنهجي لمؤثرات البيئة الحاضنة لكثير من التقاليد والأعراف التي تختلط فيها السلبيات بالإيجابيات وما لم تنصهر في بوتقة الأنشطة التربوية يصبح الاعتداد بالكم دون الكيف لمخرجات التعليم بمثابة دعاية إعلامية مضللة فكيف نفكر¿ سؤال تحدد الإجابة عليه المرجعية المعيارية للحكم على نجاح أو فشل الجهود التكاملية التي تدور في فلكها المهام الاستراتيجية لـ”بناء المواطن الصالح” كهدف عام تنبثق عن الأهداف السلوكية للتنشئة وطبعا قد يذهب البعض إلى الظن بأن الأمر ليس بهذا التعقيد الفلسفي لتعريف من نحن ماذا نريد كيف نبلغ ما نريد¿
فنحن يمانيون أصحاب حضارة عريقة مسلمون ننتمي إلى وطن الأنصار وقد حددت أهداف الثورة السبتمبرية والأكتوبرية آفاق المسار الوطني المتجدد ولكن ! أليست هذه الإجابة مثالية ألا تختزل الحقيقة بشعارات نظرية إذن:
* هل اليمن الذي نتحدث عنه الآن ما زال مشدودا لبذرة الإبداع الحضاري العريق أم أنه قد أنسلخ عن جذوره تلك وشخصيته المعاصرة مقطوعة الصلة عن شواهد ماضية¿ وماذا نقول عن شعب يقلع أشجار البن والأعناب والفواكه الأخرى ويستجدي مادة الخبز في بلد زراعي 100% لأن زراعة القات قد طغت على ما عداها فاستنفدت الوقت بالمقيل والمال بشراء هذه الشجرة الخبيثة والجهد باستغراقه بالأوهام الخيالية وهواجس أحلام اليقظة أو الكوابيس الدائمة لأزمات مزمنة عجز صناع القرار عن معالجتها فوجدوا في الإغراق للناس في مجالس القات متنفسا لإفراغ مشاعرهم المكبوتة – فحسب فأين التفكير العقلاني للبحث عن البدائل¿! ألم نسمع بأن هولندا الدانمارك بعد الحرب العالمية الثانية فقد مواردها الاقتصادية المعتمدة على تصدير منتجاتها الزراعية وأسواق استيراد اللحوم في بقية دول أوروبا التي أنهكت اقتصادياتها الحرب فوجدت بتعليب اللحوم وتجفيف اللحوم بديلا مكنها من فتح آفاق رحبة لتصدير منتجاتها عالميا ألا ينطبق هذا على اليابان التي اضطرت للاستسلام والقبول بشروط استعمارية مجحفة فإذا بنقاط الضعف تتحول إلى مصادر قوة بترك شئون الأمن والدفاع للقواعد الأمريكية وتفرغت لاستثمار قدرات العقلية اليابانية فكان الإنسان مصدرها الوحيد والأوحد للنهوض بالإمبراطورية الحلم.
* أما الحديث عن موطن الأنصار فقد صار مستهلكا فمن ورثة الأنصار الحقيقيين¿ أهم القاعدة¿ أم من يزعمون أنهم أنصار الشريعة أم الفرق الصوفية أم الجماعات السلفية وغيرها من الأسماء والمسميات لحركات متناحرة متنافرة تدعي الوصاية على أراضي الله وحاكمة خلقه في الدنيا والأخرى وبخلاف حقائق هذا الدين الذي لابابوية كنيسية فيه ولا وساطة رهبانية بين الخالق والمخلوق في شريعة والخوض في ملابسات كهذه قط يطول ولا بد من وقفات تلخص فيه آخر بحوثي المكرسة للقراءة التحليلية بعنوان “مراجعات قرآنية لقضايانا المعاصرة” وكيف صار كل مسجد إمارة مستقلة بل وصار ارتياد المساجد مغامرة نخوضها بدافع أجر صلاة الجماعة وكل منا يتفحص وجوه الحاضرين فعسى أن يستشف في ملامح ارتباك أ