في الأحوال المدنية عرف أم عادة

تحقيق هشام المحيا


تحقيق/ هشام المحيا –
حين تلج قدماك بوابة مصلحة الأحوال المدنية ستجد أمامك لوحة إعلانات كبيرة كتبت بخط أنيق تطلب من الراغبين بقطع البطائق الشخصية والعائلية وشهادات الميلاد أن يكملوا معاملاتهم بأنفسهم في إشارة تحذيرية من سماسرة جاهزين لاصطياد جيوب القادمين إلى المصلحة.. غير أن السمسرة حالة رائجة .. رغم التحذيرات في التحقيق بالداخل .. نظرة عن كثب..!!
أطلق بعض سماسرة الأحوال المدنية مبادرة تقضي بمساعدة كل من يفد إلى المصلحة للحصول على البطاقة الشخصية فيخففون عليه أعباء جيبه المثقل بالدراهم – والتي غالبا ما تكون من خدمة سلفني – ليستحق هؤلاء السماسرة وبجدارة لقب السماسرة فهم لا يكلون ولا يملون من أجل خدمة الجيوب المفتوحة والبطون المنفوخة في وقت تجيد فيه الجهات المعنية لغة الصمت إزاء ما يحدث من ابتزاز سافر للمواطنين إذ أن هذه اللغة قائمة على المقطوعة الموسيقية “نقسم الحب نصفين” وهذا التحقيق ما هو إلا محاولة بسيطة لقراءة الصفحة الأولى من مجلد “السماسرة هواية وتفنن”.

فاعل خير
ما إن يفد المواطن إلى مصلحة الأحوال المدنية إلا ويأتي فاعلو الخير ويهبوا من كل جانب خصوصا أولئك الذين وهبوا أنفسهم فداء للوطن والمواطن المسكين والذي لا يملك إلا الدعاء لهم من خالص جيبه متمنيا أن يكون قد أدى ما عليه من أموال مقابل كل خطوة يخطوها ذاك الملقب بالسمسار لأن المواطن يعلم أنهم لا يظلمون أحدا فبقدر الدعوات الصادرة من الجيب تتسهل العملية.
بالمقابل إذا جاء شخص ما لا يريد أن يدفع هنا فقط ممكن أن تتعطل الماكينة أو ينتهي الحبر أو يتوقف الكمبيوتر فجأة وربما توقف أحد الموظفين عن العمل لخلل فني وعندها تنشب أزمة تعطيل ولا تهدأ حتى تمتد اليد إلى الجيب المسكين والذي تقطعت جوانبه من كثر إدخال اليد وإخراجها.
غمدان سعد الذهب جاء إلى المصلحة لقطع بطاقة شخصية بدل فاقد فطلب منه بلاغ من قسم الشرطة والتي تبدأ من بوابته مهنة السمسرة – اختصر هذا الشاب المشوار وقام بدفع مبلغ لأحد السماسرة لسرعة المعاملة.
خرافة سمسار
عند زيارتي لمصلحة الأحوال المدنية بأمانة العاصمة وفي أول مدارج المصلحة وجدت لوحة فيها تعليمات للمواطنين بأن يكملوا معاملتهم بأنفسهم دون الاستعانة بالسماسرة هذه ليست مشكلة بل بادرة حسنة من الإدارة ولكن الغريب في الأمر والذي يدعو للضحك أن عملية السمسرة مستمرة من كتب الإعلان هم السماسرة أنفسهم وكأن السماسرة أجسام فضائية غريبة تأتي ثم ما تلبث أن تختفي فهم يحذرون المواطن من هذه الحالات الغريبة.
منصور محمد أحد الشباب المثقفين الذين يحبون التعامل بالقانون استبشر خيرا عند قراءته للإعلان فأخذ الحيطة والحذر ونظرا لظروف عمله كونه لا يتفرغ إلا يوما في الأسبوع مضى ما يقارب الشهر والنصف وهو يبحث عن البطاقة الشخصية, ففي الأسبوع الأول قالوا انتهت الاستمارات وفي الثاني انتهى الحبر, أما الثالث فالدنيا زحمة وتستمر الحكاية.
محمد الفرج ملازم ثان في الجوية أراد بطاقة شخصية فوصل المبلغ إلى ثمانية آلاف ريال – حد وصفه – وما زال في نصف المشوار وعن تقسيم المبلغ يقول محمد “أول ما تدخل البوابة خمسمائة ريال تليه الاستمارة ومن ثم الفحص وتعبئة البيانات والتصوير و.. و.. إلى آخر هذه الزحمة وحتى تتضح الصورة أكثر وجهت سؤالي إلى ثلاث من الأخوات هناك عن حجم المبلغ المدفوع فقالت الأولى “خليها على الله” وأما الثانية فخافت من العرقلة فقالت: “اسأل غيرنا” والثالثة فالنظر إلى حالها إجابة كافية شافية.
الصحفي أكرم عبدالحكيم يعلق على الموقف السابق بقوله “هذا بحد ذاته فساد لكننا لا نخاف من هذا بقدر ما نخاف من قطع بطائق شخصية بدون بيانات.
إرهابي بألف
الذي كان يخاف منه أكرم وغيره من الناس الغيورين على الوطن تحقق فعلا أولا بفضل بعض أولئك السماسرة ثانيا فقد تم الكشف في محافظة تعز عن سعودي من المطلوبين أمنيا متهم بقضايا إرهاب وهو يحمل بطاقة شخصية فأصبح يمارس هوايته “الملعونة” بتسهيل تام عن طريق البطاقة الشخصية ولا غرابة إن وجدنا هذا الرجل يتسلل إلى أحد مناصب الدولة العليا كما فعل غيره فهذا عقيد ركن متقاعد في وزارة الداخلية من تركيا ورجل آخر من إيطاليا ويدعى “جوفان” الأمر ليس مقصورا على هذين الرجلين فهناك الكثير على سبيل المثال إخواننا القادمون من الصومال الشقيق يمكث الواحد منهم فترة وجيزة ونتفاجأ بحصوله على الهوية اليمنية.
عبدالحليم قائد من الذين لا يؤمنون بما يسمى رسوم السمسار جاء إلى المصلحة وأنهى الإجراءات الأولى وانطلق إلى التصوير ليجد الكمبيوتر واقفا له بالمرصاد أعادوا له التصوير حوالي أربع مرات ويأتي الرد بأن الصورة مرفوضة.
مع أن الجهاز لا عقل له حتى يرفض ولا توجد عداوة بينه وبين زايد – إن كان له عقل كي يعاقبه

قد يعجبك ايضا