انتهازية المثقف

حسين محمد ناصر

 - إن الكتابة عن فرد أو حدث لا سيما عند المؤرخ ينبغي أن تكون كتابة مسئولة وأمينة لا تنطلق من منظور شخصي أو حزبي ولا تهدف إلى التشويه أو الابتزاز فما نكتبه اليوم سيظل في ذاكرة المتلقي لفترات طويلة ومن الصعب الاعتقاد أن شطب ذلك سيكون ممكنا ناهيك ع
حسين محمد ناصر –
إن الكتابة عن فرد أو حدث لا سيما عند المؤرخ ينبغي أن تكون كتابة مسئولة وأمينة لا تنطلق من منظور شخصي أو حزبي ولا تهدف إلى التشويه أو الابتزاز فما نكتبه اليوم سيظل في ذاكرة المتلقي لفترات طويلة ومن الصعب الاعتقاد أن شطب ذلك سيكون ممكنا ناهيك عن الإتيان بما يناقضه غدا إن لم تكن لديه الحجة التي تبرر ذلك.

* بالرغم أن الانتهازية صفة عامة لسلوك سلبي يحكم علاقة شخص ما في المجتمع بمن حوله من الناس وهي لا تنحصر في فئة أو جماعة دون غيرها بقدر ما يمكن أن تجد لها أرضية في كل طبقات وفئات المجتمع إلا أن المرء يلمسها بصورة ملحوظة في صنف المثقفين بمختلف تسمياتهم.
* هذا كاتب ربطته مصلحة ما مع إحدى شخصيات المجتمع أو الحكومة أو الدولة وما أن انتهت المصلحة حتى تراه يسن قلمه ليذبح كل حسنات تلك الشخصية!!
وذاك مؤرخ يزعم أنه يوثق الأحداث العامة وحركة السياسيين والأحزاب سلبا وإيجابا يمدح من يرى أن له نفوذا وقوة ويذم من لا حول له ولا قوة وعندما تتغير الأمور وتتبدل مواقع الأحزاب السياسية نراه يتغير ويتبدل معها وينسف كل ما كتبه بالأمس وأصر عليه وغرسه في أذهان قرائه دونما اعتذار أو توضيح أو تصحيح يعبر عن اكتشافه لخلل أو سوء تقدير في الرؤية السابقة ولو من باب إراحة الضمير هذا إن كان ضميره سيرتاح لمجرد اختراع ذلك الاعتذار أو التصحيح الكاذب الذي يجسد انتهازية منضوحة لا يستطيع الإدعاء بشيء غير ها!!
* أكتب هذا وأنا أتذكر ما كتبه واحد ممن أطلق على نفسه صفة المؤرخ ذات يوم في مقالات لا تخصى ولا تعد عن شخصية وسياسة الرئيس الراحل سالم ربيع علي فقد كان بنظره -وسالمين على قيد الحياة- الرئيس الوحدوي الكبير والأكثر شعبية والساعي لتوحيد اليمن ولكي أدلل على ذلك المدح فقد كان يقول (إن المقدم إبراهيم الحمدي ينظر إلى الرئيس ربيع علي نظرة أخ راشد حسن التقدير لظروف اليمن الصعبة وحسن التفهم لما ينبغي عمله من أجل النهوض بها وتحقيق وحدتها في حكمة وبصيرة وأنه يميز بينه وبين بعض العناصر النزقة والمتوترة والمتشنجة والمزايدة داخل صفوف الجبهة القومية وأنه عند طلب موافقة الملوك والرؤساء العرب على تجديد فترة عمل الأمين العام للجامعة العربية محمود رياض لخمس سنوات أخرى أعلن الرئيس سالم ربيع علي موافقته على ذلك باسم اليمن كلها!!).
أما بعد مقتل (سالمين) فإن كل ما كتبه من مدح وإشادة وتعظيم قد تحول إلى ذم وشتم ونكران لما كان يكتبه عن الرجل في حياته.
* لقد تحول الزعيم المحبوب والمناضل إلى شخص زايد على كل قوى اليسار الأصلية وإلى انتهازي يساري يتشرف بالجمل اليسارية بل والأممية لستر فكره الفردي والانعزالي المغلق والمتخلف والمعادي لليسار الحقيقي وأنه كان يقود تيارا يساريا انفصاليا وانتهازيا خطرا ومدمرا واتجاها طفوليا مغامرا ونظرة ربيع الفردية المغلقة والمتخلفة والفوضوية. وأن التفكير التآمري عند ربيع بدأ منذ فترة مبكرة وبالذات منذ 72!!).
* كانت الصفات والألقاب جاهزة وسرعان ما ألصقها بالرجل بعد مقتله وهو الكاتب المؤرخ الذي طالما تغنى بنضاليه وقيادته وشخصيته وعلاقته المميزة به عندما كان حيا!!
ولا زالت أتذكر كيف كان غضبه شديدا عندما رصدت في مقال كل ما قاله من مدح ثم ذم ونشرته في إحدى المجلات غضب لأنه أدرك أن كل ما نشر كان من نتاجه ولم آت بكلمة غريبة من عندي أو لم ترد في كتاباته.
* إن الكتابة عن فرد أو حدث لا سيما عند المؤرخ ينبغي أن تكون كتابة مسئولة وأمينة لا تنطلق من منظور شخصي أو حزبي ولا تهدف إلى التشويه أو الابتزاز فما نكتبه اليوم سيظل في ذاكرة المتلقي لفترات طويلة ومن الصعب الاعتقاد أن شطب ذلك سيكون ممكنا ناهيك عن الإتيان بما يناقضه غدا إن لم تكن لديه الحجة التي تبرر ذلك.
* دعونا نكتب بإتزان وتجرد عن أي شيء إلا الحقيقة وحده ليس في مجال السياسة فقط ولكن في شتى أمور الوطن والمواطن وكم يكبر الكاتب في نظر الناس عندما تأتي كلماته صادقة وفية للوطن وحامية له تسهم في التغيير نحو الأفضل تغيير وتجديد أسس بناء الوطن وعقلية ووعي مواطنيه في ذات الوقت!
قبس
(يحكى أن أحد المؤرخين المهتمين بالتحقيق في كيفية حرق روما من قبل نيرون وقف ذات يوم في شرفة بيته وشاهد حادث اصطدام بين سيارتين وتجمع الناس في مكان الحادث وبدأت الشرطة التحقيق وتوالى الشهود من كل حدب وصوب وأدلى كل بشهادة مخالفة لزميله ولم يعرف البوليس بحكم تناقض الأقوال من المخطئ والمصيب¿!
جرى ذلك ك

قد يعجبك ايضا