معاناة الصيادين ودور المعنيين

د. محمد علي بركات

 - يمتلك سوى مجداف عتيق وقطعة مستطيلة الشكل من لوح خشب  ثبت عليها إناء صغيرا ليضع فيه ما سيهبه الوهاب من رزق حلال ليواجه بثمنه الزهيد قوت يومه مع أسرته مهما واجه من أخطار .. 
وذلك برنامجه اليومي الذي يبتدئ مساء بذهابه للصيد  ويمكث في البحر بين
د. محمد علي بركات –

في إحدى ليالي الشتاء الممتعة الجميلة كنا على الشاطئ المهجور بعروس البحر الأحمر نفترش الأرض مضطرين لتحمل الرطوبة التي تسبب مرض المفاصل الضار .. وذلك بالطبع لعدم توفر البديل فلا وجود للمتنزهات أو الاستراحات التي يمكن أن تلبي احتياجات المواطنين أو القادمين للسياحة سواء من المحافظات اليمنية أو من خارج اليمن للاستمتاع بجمال الشاطئ الممتد على طول مدينة الحديدة المهيأ للاستثمار ..
حاولنا الاستمتاع في تلك الليلة الحالمة بقدر الإمكان بما حبا الله هذا المكان من جمال طبيعي رغم كل الظروف وفجأة ظهر رجل كبير السـن كثيف اللحية يبدو على وجهه الشحوب شمر عن ساعديه وعن ساقيه النحيلتين دون أن يعبأ بمن كان على الشاطئ من المقيمين أو من الزوار .. وكانت عيناه ترصدان الأفق البعيد في البحر الواسع الملئ بالخير المعطاء دون حساب لكل من قصد الكريم الجبار .. دفعنا الفضول للتحدث إليه وكان من الواضح أنه صياد يسعى للحصول على رزقه وكانت تلك اللحـظة كما أفـاد هي الموعـد المناسـب لاصطـياد نوع من الأسـماك يسـمى (الحبار) .. والغريب في أمر ذلك الصياد العجوز أنه لا يمتلك قارب صيد فظروفه المعيشية صعبة للغاية كما يبدو من هيئته ووفق ما عرفنا منه عن حاله غير السار .. حيث لا يمتلك سوى مجداف عتيق وقطعة مستطيلة الشكل من لوح خشب ثبت عليها إناء صغيرا ليضع فيه ما سيهبه الوهاب من رزق حلال ليواجه بثمنه الزهيد قوت يومه مع أسرته مهما واجه من أخطار ..
وذلك برنامجه اليومي الذي يبتدئ مساء بذهابه للصيد ويمكث في البحر بين المد والجزر حتى ظهور خيوط فجر اليوم التالي ليصبح مسرعا إلى سوق السمك (المحوات) حتى يبيع حصيلته الزهيدة من (سمك الحبار) ثم يقضي حاجة أسرته ويعود إلى الدار .. وداره عبارة عن مكـان مصـنوع من القـش والحصـير ويسـمى في تهـامة (عشـة) وجمعها (عشش) وتنصب كالخيمة في مساحة ضيقة على الأرض لا يحيط بها سور ولا جدار .. ويقطن بها الفقراء والمساكين من أبناء منطقة تهامة الذين لا يملكون الإمكانات المادية التي تمكنهم من بناء دور من الطوب أو حتى من الطين لتحميهم من برد الشتاء ومن حر الصيف والرياح والغبار.
تلك هي رحلة الكفاح اليومية لهذا الصياد العجوز وأمثاله الذين يتواجدون للبحث عن الرزق على امتداد الشاطئ الطويل لعروس البحر الأحمر بتلك الإمكانات المحدودة التي لا تتعدى جزءا من لوح خشب ومجداف يتيم دون أن يكون لأي منهم في ذلك أي خيار .. مما يعرض حياة أولئك الصيادين الذين يعولون العديد من الأسر للمزيد من الأخطار إلى جانب ما يعانونه من شظف العيش وقسوة الفقر الذي قال عنه الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه (لو كان الفقر رجلا لقتلته) فما أشد أضرار الفقر والعوز المحيطة بتلك الديار.
وهنا لا بد أن نتساءل هل بالإمكان إيجاد دور إيجابي فاعل لكل من وزارة الثروة السمكية ووزارة الشؤون الاجتماعية والعمل لمساعدة الصيادين المعسرين الذين لا يمتلكون القوت الضروري لهم ولأهلهم ولأبنائهم القصار..¿
ولا شك أن هناك أكثر من طريقة لتحقيق هذه المساعدة وربما تكون أنسبها هي توفير قوارب صيد صغيرة لكل منهم عن طريق قروض ميسرة على أن يمنحوا التسهيلات اللازمة لتسديدها دون أضرار.
نأمل ونتمنى أن تقوم الجهات المعنية بواجبها نحو إحدى شرائح المجتمع التي هي في أمس الحاجة للرعاية والاهتمام ولا حول لها ولا قوة ولا سند إلا المولى سبحانه وتعالى الواحد القهار .. آملين ألا يخيب أملنا في من تعشمنا الخير فيهم لأبناء وطنهم من الفقراء المعدمين الذين من حقهم علينا جميعا الوقوف إلى جانبهم ليعيشوا حياة كريمة مع أسرهم دون أن يتعرضوا لأي إعصار .. وسنظل في الانتظار .. لمبادرة المعنيين في وزارتي الثروة السمكية والشؤون الاجتماعية بمعالجة تلك القضية وسرعة اتخاذ القرار .. إنقاذا لحياة أولئك الساعين لكسب لقمة العيش الشريفة بجهدهم وعرقهم واثقين من كرم الله العزيز الرحيم بهم ومؤمنين بما تجري به الأقدار..
فهل أصبنا الاختيار .. بطرح هذه الأفكار .. أمام المعنيين الأخيار..¿ اللهم اجعلنا بالفعل كذلك فما ندعو إلا إلى الخير بنية صادقة لهذا الوطن وأبنائه الأبرار .. وسنظل على هذا المسار بكل إصرار .. وذلك من منطلق الشعور بالمسؤولية الإنسانية والوطنية .. وتلك هي القضية.

قد يعجبك ايضا