البيئة والتراث الشعبي

د ليلى الشيباني


د / ليلى الشيباني –

ترجع الفنون الشعبية بصفة عامة إلي الأصول المحلية للشعوب وتعبر عن طابعها القومي الأصيل مما يجعل لها أهمية إنسانية كبيرة حيث تشكل طريقا لحضارة الإنسان عبر العصور.. ومهما تعددت الفنون الشعبية وتنوعت مظاهرها ومجالاتها المختلفة فهي مصدر هام ومتسع يشبع إلهام الفنانين كما أنها ترضي ذوق من يشاهدها بوعي ورؤية متفتحة كذلك فهي من المجالات الهامة التي يمكن الاعتماد عليها في تربية النشء من الوجهة الفنية والجمالية.ولقد ثبت أن دراسة فن أي شعب من الشعوب إنما تؤدي إلى تكوين فكرة واضحة تعبر عن مستواه الحضاري وما وصل إليه من خبرات وتجارب في شتى جوانب حياته المادية والثقافية والروحية «ولذا برزت إنسانية الفن مطابقة لخصائصه التي هيأت آثاره كما أن عالمية الفن وإنسانيته لم تغفل ظهور الأنماط المحلية المختلفة التي تشكل في حد ذاتها تأثيرا خاصا على الحركة العالمية للفنون الشعبية».والواقع أن التفاعل بين الإنسان وبيئته يتوقف على إدراكه لتلك البيئة ومعرفته بها فالإنسان يعيش في مجتمع فإلى جانب ما يحيط به من بيئة طبيعية هناك أيضا بيئة اجتماعية لها نظمها وعقائدها وعاداتها وتقاليدها وفنونها ولها تاريخها فالمجتمع يتعامل مع البيئة التي يعيش فيها والعلاقة بينه وبينها متوقفة على معرفة الفرد بهذه البيئة وإدراكه لعناصرها ومدى تفاعله معها.وانطلاقا من هذه الحقيقة أدرك الباحثون أن التراث الشعبي هو قوام الحياة في البيئة الشعبية وليس مجرد ركيزة تدل على أصول ومراحل تاريخية قديمة لم تعد لها وظيفة تلائم تطور المجتمع فالتراث الشعبي هو الحصيلة الكاملة لثقافة الشعب وهو الذي يصوغ الإطار العام للحياة الشعبية وبالتالي فهو يقوم بوظائف حيوية وأساسية للأفراد والجماعات فيربط ماضيها بحاضرها ويحقق وجودها الإنساني مع الأمم والشعوب ويرتكز على تقاليد يحافظ عليها وبفضله أيضا يتعرف المرء على الآداب والفنون والتقاليد الشعبية والتي تؤكد بدورها على تصورات الإنساني الشعبي ونظرته وعلاقته بيئته الشعبية على مر العصور.
إن التراث الشعبي هو قوام الحياة الشعبية و ليس مجرد ركيزة تدل على أصول أو مراحل تاريخية أو تكشف عن رواسب لم تعد لها وظيفة تلائم التطور والمعاصرة ذلك لأن هذا التراث هو في الواقع الحصيلة الكاملة لثقافة الشعب على اختلاف أجياله وبيئاته ومراحل تعليمه فالتراث يحدد العلاقات ويضبط السلوك بين الفرد والجماعة الصغيرة أو الكبيرة كما أن التراث بربط الفرد بالماضي ويجعله على وعي بالحاضر واستشراف للمستقبل وهو الذي يهيء الحوافز على الابداع والتجديد ومسايرة التغير في البيئة للفردو مثل هذه الوظائف الحيوية تجعل التراث الشعبي قادرا على البقاء والتطور محتفظا بأصالته و مرونته.
وتشكل البيئة الشعبية بجميع عناصرها مادة غنية على جانب كبير من الأهمية في تكوين الخصائص الثقافية والفنية والاجتماعية لكل أمة كونها تمتلك عناصر تعبيرية أصيلة مهما تنوع مستوى ذلك التعبير.ومما لا شك فيه أن البيئة الشعبية في القرنين الماضيين قد أخذت مكانها الصحيح لدى الباحثين وعلماء الفلكلور مع يقظة الشعوب وانبثاق الإشعاع والإدراك بأهمية البيئة الشعبية ودراسة تراثها بعد أن اتضحت أصالتها وقيمتها ومميزاتها المعتددة ومن هذا المنطلق قامت كل حركة قومية في العالم على دراسة التراث الشعبي باعتباره المادة الأولى لمعرفة تاريخ الشعب ودراسة فنونه وآدابه ومظاهر حياته الشعبية المختلفة.كما أن الاهتمام المتزايد بالبيئة الشعبية جعل الرأي العام أكثر تقبلا لها خاصة من قبل الأدباء والفنانين والباحثين والعلماء الذين اهتموا بها للكشف عن جوانب خفية من التراث الشعبي لإدراكهم بمزاياها واعتبارها مادة غنية للبحث العلمي والفني ووسيلة للاستلهام منها في مجال الأدب والفن والتربية الحديثة.
فالبيئة تثير في الفنان الإحساس والخيال فالمتأمل في التراث البشري الهائل يرى كيف ترجم الفنان البيئة من خلال كشفه للعلاقات والمتوافقات والتباينات. فقد بدأ هذا الحوار بين الفنان وبين البيئة منذ الفن البدائي وقد استمر هذا التفاعل بينهما حتى يومنا هذا مما أدى إلى ثراء لا حدود له في إبداعات الفنانين المعاصرين فظهرت عناصر البيئة في تناولها الجديد الملئ بالمشاعر وذلك لاندماجها في علاقات جديدة.ويري أحد المهتمين بقضية التراث أن العلم والتقنية والقيم الخلقية والجمالية هي الوجوه الإنسانية للتراث وهي العناصر الهامة الرئيسية التي يورثها الإنسان للإنسان في المكان والزمان.فالتراث جزء لا يتجزأ من الإنسان المعاصر فهو يحمل في بنائه الذاتي سماته في عاداته وسلوكه وفي تعامله مع الآخرين. والتراث جميعه شعبي أو غير شعبي هو صدى الماضي يستفيد منه الإنسان بالقدر الذي يدفعه إلى الأمام فاستلهام الترا

قد يعجبك ايضا