حكمة التوازن وبوصلة الخروج من حقل الألغام

< بقلم محمد جسار

 - ,كان على الرجل أن يسير بالبلاد إلى حالة استقرار والقوات المسلحة خارج دائرة الولاء لمؤسستها بسبب انقسامها إلى شطرين بل أشطار وولائها لأشخاص, والحالة ذاتها بالنسبة للمؤسسة الأمنية.
< بقلم/ محمد جسار -
,كان على الرجل أن يسير بالبلاد إلى حالة استقرار والقوات المسلحة خارج دائرة الولاء لمؤسستها بسبب انقسامها إلى شطرين بل أشطار وولائها لأشخاص, والحالة ذاتها بالنسبة للمؤسسة الأمنية.
,

كان التوازن هو الاختبار الأصعب والاختيار الأوحد أمام الرجل الذي وجد نفسه دون سابق إنذار قشة الأمل لجموع الشعب وللمتصارعين في آن واحد.
كان مطلوبا من الرئيس هادي في الـ21من فبراير من العام الماضي أن يسير بالوطن في ألغام من الصراعات والاختلافات والتعدد الواسع لمراكز القوى وأصحاب النفوذ والمصالح أولئك الذين يستميتون دفاعا عن مصالح يوشك أن يفقدوها وأولئك الذين اعتبروا اللحظة موسم غنائم يحصدون فيه المصالح دون سواهم.
قدر الرجل فرض عليه أن يدير الوطن من عاصمة مشطورة بمتحاربين أصابعهم على الزناد في صراع وجودي حشدت له كل الأسلحة العسكرية والسياسية والاقتصادية وغذته نفوس محتقنة وحالة شاملة من الإحباط الجماهيري والتخبط وقدر له أن يباشر مسؤولياته بأجهزة دولة نخرها الفساد المالي والإداري وسلبتها الولاءات الفردية قدرتها على أن الحركة في مسارات المصلحة الوطنية العليا.
أمسك الزمام في ظل انهيار شبه شامل للخدمات وانهيار اقتصادي شامل لدولة كانت تصنف قبل الثورة/الأزمة والصراع المسلح الذي دارت رحاه على هامشها بأنها ضمن قائمة الدول الموشكة على الفشل وفقا للمقاييس العالمية فكيف هو الحال في أتون الصراع وفقدان الدولة¿.
كان على الرجل أن يسير بالبلاد إلى حالة استقرار والقوات المسلحة خارج دائرة الولاء لمؤسستها بسبب انقسامها إلى شطرين بل أشطار وولائها لأشخاص, والحالة ذاتها بالنسبة للمؤسسة الأمنية.
كانت المخاوف تعصف بالجميع من أن يدفع ضعف الدولة المركزية وغياب مؤسساتها البعض إلى تشطير الوطن والانجراف به إلى حالة صراع أخرى أكثر حدة وأشد وطأة وكان الأمر مرجحا في أول محطة يقع فيها الرجل ويفقد بوصلة التوازن خاصة في ظل ضلوع قوى خارجية في مخططات تآمرية تدفع للوصول إلى هذه المحطة المدمرة.
كان على الرجل أن لايفقد التوازن كذلك بين إرادة التغيير كمطلب جماهيري واسع مسنود بدعم دولي والانحدار في محارق حرب أهلية لاتبقي ولا تذر كل مدخلاتها وروافدها مهيأة وكل عوامل تغذيتها وإطالة عمر طاحونة تدميرها متوافرة.
كثير من الراصدين والمحللين السياسيين أشفقوا عليه حينما دفع به التوافق على شخصه من القوى المتصارعة إلى صدارة المشهد وفوهة المدفع وكانوا يشكون في قدرته على إحكام إدارته لشوكة التوازن ويعتقدون أن البوصلة ستفلت من يده تحت وطأة الضغوطات بالاستناد إلى حجم قوتها وضخامة تأثيرها وتعدد ألوانها ومصادرها لكن الرئيس عبدربه منصور هادي أفشل الرهانات على فشله وخيب توقعات عدم قدرته على إدارة عملية توازنية محكمة تجنب الوطن الكارثة المتربصة ونجح في السير بالوطن في حقول الألغام التي كان يكفي أن ينفجر أحدها فتنفتح بوابات جهنم على الجميع وينهار سقف المعبد على الرؤوس.
يذهب البعض إلى أن محدودية الإنجازات لعام كان المؤمل منه الكثير والطموحات المعلقة عليه باتساع الحاجات الوطنية الشاملة بينما الحقيقة أن نزع الفتائل والألغام وإماطة الأصابع عن الزناد وتهيئة الملعب السياسي ليكون البديل عن ساحات الصراع المسلح وإعادة إدخال مؤسسات الدولة الخدمية إلى الخدمة وكسر حدة الولاءات الشخصية وكسب الروافد الإقليمية والدولية لصالح بناء الدولة المدنية الحديثة كلها مكاسب لايستهان بها بالنظر إلى الصورة التي كان عليها الوطن في مثل هذا اليوم من عام مضى.
نجح هادي بهدوئه وحكمته في اختبار التوازن الذي لم يكن يقبل سوى النجاح لأن الخيار الآخر كان الانجراف في مجاهل يصعب تخيلها.

قد يعجبك ايضا