القمرية.. سحر العمارة اليمنية

د ليلى الشيباني


د / ليلى الشيباني –
رغم تباعد السنين واختلاف الأذواق وهجوم التطور العصري فقد حافظ العقد أو القمرية في اليمن على خصوصية الجمال المعماري والإبداع المميز. ويعم استخدام القمرية جميع أنماط العمارة سواء البيوت أوالدوائر الحكومية والمكاتب التجارية وغيرها. وهى عبارة عن شكل دائري أو نصف دائري شفاف من حجر الألباستر سمكه واحد سم يثبت في فتحات أعلى النوافذ والأبواب. وقبل الشروع في تنفيذ العمل في فن القمرية لا بد من تحديد المسافات والمقاسات بدقة ويتم استشارة صاحب المنزل عن ذوقه ورغبته والشكل واللون الذي المراد.
القمرية من الخارج التي تبدو في شكل نصف دائري يعلو النافذة الخشبية
والقمرية ابتدعها المعمار اليمني لتأمين الإضاءة الداخلية بعد إغلاق النوافذ الخشبية التي يترتب على إغلاقها ليلا أو نهارا فقدان الإضاءة الطبيعية وصفائها ويرى بعض الباحثين أن سبب التسمية يرجع لبياضها الناصع الذي تتميز به لأن النور الذي ينفذ منها يكون أبيض صافيا أشبه بضوء القمر كما أن ألواح بعض النوافذ دائرية أشبه ما يكون شكلها بالقمر ليلة تمامه. وقد ضرب اليمنيون بسهم وافر في مجال فن القمريات (العقود) وبلغوا فيه حدا من التخصص على درجة عالية من الإبداع والتخيل ومن روعة التصور وجمال فنون الزخرفة. وفن القمريات في الثقافة الجمالية اليمنية هو الحركة الإبداعية الأولى في طريقة خطوات تكوين مفاهيم عامة عن الفن وملامحه اليمنية. كما هو الوسيلة التي لجأ إليها الفنان اليمني كلغة تخاطب بينه وبين فن الزخرفة. وفن القمريات هو الفن الذي تطور مع تطور الإنسان اليمني وثقافته البسيطة وتشكل مع التغيرات المستمرة وأصبح مع التطور قابلا لتشكيل العناصر المستوحاة من الطبيعة ومن التراث الفني اليمني القديم. وفنان القمريات ينفذ أعماله على أنواع من الخامات وبأساليب جمالية متنوعة منها ما هو بسيط في أدائه ومنها ما هو أعمال رائعة وخالدة شديدة التعقيد في تراكيبها الفنية.وللحق فما دام هذا الفن قد شهد ترجمة لكل ما هو ممارس في ثقافة المجتمع اليمني منذ أمد طويل فإن جذوره تمتد امتدادا عميقا في أغوار تاريخ الفن اليمني إلى جانب امتدادها الطبيعي في عمق الإبداع الشعبي اليمني.إن هذا الفن يأتي معبرا عن مرحلة ثقافية معاصرة له ويشكل بمفاهيمها وهو في تطوره يعود دائما إلى المراحل السابقة عليه ثم يوظف وحداته الزخرفية في العناصر الثقافية الجديدة. إن أعمال فن القمريات دليل واضح للذكاء الحسي للفنان اليمني المبدع).
وتؤكد الدراسات العلمية أن القمرية تضفي مسحة رائعة على المنزل اليمني من الخارج وقد تفنن الحرفيون في ابتكار عقد مزدوج أحدهما داخلي وهو المزخرف والآخر خارجي وتغطي فتحاته الزخرفية بالزجاج الأبيض الذي يمكن تنظيفه بسهولة. وتصنع القمرية في بعض مناطق اليمن من المرمر الشفاف خصوصا القريبة من صنعاء ويلاحظ الزائر لأية مدينة أو قرية يمنية أن القمرية لازمة أساسية في المعمار سواء كان قديما أو حديثا وسواء كان صاحبه غنيا أم فقيرا وتحولت القمرية إلى لوحة فنية غاية في الجمال. ويمثل هذا الفن المعماري قمة التراث الشعبي الذي عرفه الشعب اليمني منذ أقدم العصور وقد ظل يتوارثه الأبناء عن الأجداد وفي التاريخ اليمني إشارات لعائلات مشهورة برعت في هذا الفن وصناعة القمريات هي في الأساس عملية فنية تتم عن قدر كبير من الإحساس العقلي والوجداني بتذوق الفن ويتمثل قمة إبداع صانع القمريات أو “المجصص”( كما يطلق عليه في صنعاء) وبراعته إذا عرفنا أنه يستخدم داخل ورشته آلات بسيطة وبدائية لا تتعدى السكين وبعض آلات الحفر الأخرى لكن يخرج من كل هذا بأشكال فنية وزخرفية رائعة الجمال ومتعددة الأشكال فكيف يستطيع هذا الفنان أن يخرج من الأحجار التي أمامه لوحات فنية رائعة تتزين بها المنازل وتدخل على النفس البهجة والانشراح.
طريقة صنع القمريات وتركيب الزجاج الملون
القمرية قبل تركيبها بالواجهة المعمارية
القمرية بعد تركيبها بالواجهة المعمارية
القمرية من الداخل والخارج وأثرها على الجمال الداخلي للمكان.
كل القمرية بداخل المنازل اليمنية وتأثيرها الجمالي
د / ليلى الشيباني
ورئيس قسم التصميم الداخلي
الأستاذ المساعد بكلية الفنون الجميلة جامعة الحديدة

قد يعجبك ايضا