ويسألونك عن الحوار!

خالد الرويشان

 - في كل يوم يسألني العشرات عن رأيي في مؤتمر الحوار ولأنني مستقل, فإن تفاصيل إجابتي لا تعجب الكثيرين ممن لا يرون أبعد من أقدامهم! بعد أن أصبحت الهوية لديهم هي رأي الحزب أو المذهب أو المنطقة وربما القرية!
 لا بد أن أقرر ابتداء أن الحوار وحده هو بداية الحل الأمثل لما تعانيه البلاد الآن. وأق
خالد الرويشان –
في كل يوم يسألني العشرات عن رأيي في مؤتمر الحوار ولأنني مستقل, فإن تفاصيل إجابتي لا تعجب الكثيرين ممن لا يرون أبعد من أقدامهم! بعد أن أصبحت الهوية لديهم هي رأي الحزب أو المذهب أو المنطقة وربما القرية!
لا بد أن أقرر ابتداء أن الحوار وحده هو بداية الحل الأمثل لما تعانيه البلاد الآن. وأقول “بداية الحل” لأن أي حوار ناجح مرهون بنتائجه, وما سيفضي إليه, وذلك أهم بكثير من الصخب والجدل حول حصص التقاسم وأعداد المتحاورين فيه.
ينسى كثيرون أن الوحدة اليمنية تمت بعد عشرين عاما على الأقل من الحوار المستمر! حوار طال كل التفاصيل, وشهدت قرارات بنوده عواصم عربية متعددة. ومئات إن لم نقل آلاف الاجتماعات وعلى كل المستويات! لكن أحلام الوحدة وأمانيها تبخرت بسبب الأثرة, والعائلات الحاكمة والفساد والشيطنة السياسية التي أدت إلى حرب 94. كانوا جميعا مجرد سياسيين.. لم يكن ثمة ملاك واحد يمكن أن يصبح نبراسا وحلما للأجيال.. مثالا للعظمة المؤسسة أو للمؤسس العظيم!.
الآن, يبكي الجميع على اللبن المسكوب! بل الدم المسفوك! دون أن يسأل أحد نفسه.. هل كان الخلل في نتائج الحوار الطويل واتفاقيات الوحدة أم في شخصيات المتحاورين السياسيين المنفذين والمتنفذين! وخاصة متحاوري الجولة الأخيرة! سأجيب بكل صراحة وأقول.. شخصيات المتحاورين المنفذين والمتنفذين كانت السبب في نكبة اليمن, وما وصلت إليه, ولا أظن أحدا يمكن أن يخالفني في هذا الرأي, بالمنطق والعدل والتأمل.
لقد أفسد اليمنيون كل شيء أنجزوه بالفساد, والنهب.. رفعوا كل الشعارات, وجربوا كل شيء! وعندما أعيتهم الحيل أنشأوا هيئة لمكافحة الفساد! لم تنجز قضية واحدة بشكل نهائي! وقد يفكر اليمنيون الآن بإنشاء هيئة جديدة يسمونها “إعلان الحرب على الفساد”! فالمكافحة لم تعد تكفي وهي للجراد! أما الفئران التي تمشي على رجلين فإنها ما تزال تعيث فسادا منذ جدها الأول.. الفأر الشهير بفأر سد مأرب!
ليست المشكلة إذن في فكرة الحوار, بل في قواعده. وليست في أهداف الحوار, بل في المتحاورين! هل يمثل السياسيون المحترفون الرأس من الجسد اليمني¿ إن بعضهم ليس سياسيا محترفا فحسب.. إنه مقاتل ويده على الزناد! وما يزال دخان البارود يتصاعد من بندقيته!
إن البلاد تقف على مفترق طرق شديد الخطورة بانتظار ما يقرره المتحاورون في مستقبلها ومستقبل أجيالها وكأنهم قد ملكوا الماضي والحاضر, والمستقبل, وقولهم الفصل! وذلك يحملهم مسؤولية ضخمة وتاريخية أكبر منهم, وربما تكون عواتقهم أضعف من أن تحملها, وكواهلهم أرهف من أن تنوء بها. إن ذلك لا يقلل من احترامي الشديد لهؤلاء السياسيين وبعضهم لاعبون كبار, لكن البلاد أكبر منهم! وقد تعöبت من اللعب!.. البلاد أكبر منا جميعا, أكبر من الأحزاب, والمناطق والجهات, والزعماء والفئات.
لذلك, وحتى يكون الحوار حوار رؤوس ترى, وتعي, لا حوار أيد وأرجل في حلبة ملاكمة.. نريد حوارا يكون التاريخ فيه حاضرا, والجغرافيا حاكمة, والضمير منتبها, والمعرفة غالبة, والشعور بالمسؤولية التاريخية ميزانا, لذلك فإنني أقترح إضافة مائة اسم على الأقل على مؤتمر الحوار, من غير السياسيين المحترفين, ممن ليسوا محسوبين على أحد في الداخل أو الخارج, بل هم من علماء القانون, والفكر, والتاريخ, والاجتماع, والإدارة, وحتى اللغة! ما دام مؤتمر الحوار معنيا بالدستور أيضا, وبمستقبل البلاد وأجيالها القادمة. رجال ينظرون إلى بعيد, متجاوزين ما تراه أقدامهم الآن! رجال عرفوا العالم, وقرأوا تاريخه وتطوره, وما وصل إليه, بعد أن عرفوا وطنهم, وأحلام قراه, وآلام ثراه,.. وآمال ذراه!
نريد أن نسمع رأي العلم في خلافاتنا, رأي الإدارة في مشكلاتنا, رأي علم الاجتماع في العقد النفسية التي تحكمنا وتحكم علاقتنا بأنفسنا!
إنني أقترح هذه الإضافة النوعية المهمة, وهي بمثابة الرأس من الجسد,.. وإلا فإن الجسد بلا رأس مجرد جثة على رصيف التاريخ! وفي أحسن الأحوال مجرد مسخ يرى بأقدامه, ويفكر بيديه, ويسير بلا عينين صوب هاوية تنتظره!.. والله من وراء القصد.

قد يعجبك ايضا