الرحلة «605» مــوت وظــلام

د. محمد حسين النظاري

 - لم تكن الرحلة التي أقلتني وأسرتي في الجزء الثاني من عودتي إلى وطني عادية على الإطلاق فقد مر الجزء الأول منها من الجزائر نحو قاهرة المعز اعتياديا غير أن رحلة
د. محمد حسين النظاري –
لم تكن الرحلة التي أقلتني وأسرتي في الجزء الثاني من عودتي إلى وطني عادية على الإطلاق فقد مر الجزء الأول منها من الجزائر نحو قاهرة المعز اعتياديا غير أن رحلة اليمنية رقم (605) والتي كان من المفترض أن تطير بنا من مطار القاهرة فجر 11 من سبتمبر الجاري نحو اليمن الحبيب لم تكن ظروفها طبيعية لا في إقلاعها أو هبوطها.
كنت قد آليت على نفسي ألا أكتب ما جرى في تلك الرحلة حتى لا يقال أننا نشوه بصورة طيراننا الوطني غير أن بعضا من الذين رافقوني على نفس الرحلة أصروا في اتصالات متكررة بي بعد يومين من وصولنا بإيصال ما حدث إلى المسئولين في طيران اليمنية عسى أن يتلافوه حتى لا تحدث كارثة أكبر.
كلنا يعلم أن الظلام أصبح ملازما لنا في اليمن فما إن تنطفئ الكهرباء حتى يلحقها انطفاء آخر وقد يكون هذا مقبولا على الأرض اليمنية نتيجة الأضرار التي تتعرض لها المنظومة الكهربائية أما أن يحدث ذلك على إحدى طائراتنا الوطنية في إحدى المطارات الشقيقة فهذا هو العجب العجاب.ما إن وطئت أقدامنا سلم الطائرة حتى حلت الظلمة التامة على المحيط الخارجي وداخل الطائرة مما جعلنا ندرك خصوصا نحن المقيمون في المهجر أننا فعلا متجهون إلى بلاد الشمع وحينها طلب مضيفو الطائرة منا إشعال هواتفنا لأننا بكل تأكيد لم نكن نحمل شمعا والحمد لله أننا كنا في القاهرة وإلا لكانت منطفئة ظلت الطائرة في ظلام دامس زهاء العشرين دقيقة والكل متألم والأطفال متضايقون والمرضى في حالة يرثى لها حتى من الله علينا بعودة الكهرباء.
في حقيقة الأمر ما حدث في طائرتنا شيء خطير ولو كان في طائرة أخرى لما سمح لها بالإقلاع فالخلل الذي جرى على الأرض يمكن أن يعود ونحن في الجو وفعلا وبعد إقلاع الطائرة بعشر دقائق شرعت أجهزة العرض باستعراض خطوات السلامة المعتادة في كل رحلة غير أن الانطفاء عاد مجددا ولكنه اقتصر هذه المرة على أجهزة العرض مما جعل المضيفين يكملون عملية الشرح يدويا تماشيا مع نشرة الصم والبكم.
بعدها سمعنا كابتن الرحلة جلال خليل يعتذر عما حدث معللا ذلك بالمعدات الأرضية بمطار القاهرة وظللنا طوال الرحلة محرومين من شاشات العرض سواء للاستمتاع أو لمعرفة الارتفاعات والخريطة الجوية التي نسير عليها وفي الحقيقة لم يكن همنا سوى الوصول سالمين قبل أن يعاود الظلام إلينا ونحو في الجو. ما زاد الرحلة سوءا أننا قبل ساعة من الهبوط في مطار عدن قبل الإقلاع مجددا إلى صنعاء استغاثت إحدى النساء ومعها زوجها بطاقم الطائرة كي يسعفوها بالأكسجين وعندها سمعنا قائد الرحلة يطلب العون بأي طبيب في الطائرة ولكن المصيبة أنه لم يتواجد معنا أي طبيب ولم يسمحوا لها بالأكسجين بداعي عدم وجود طبيب ولم تفلح جهود أحد المضيفين في تنشيط قلب المسافرة يدويا لتفارق الحياة وهي بين أيدينا مما خلق الرعب في نفوس جميع الركاب.
بدأنا الرحلة بظلام وأنهيناها بموت وبين الحالتين تسلل إلى قلوبنا شعور مخيف كيف بنا إذا احتجنا جميعا للأكسجين هل سيطلبون طبيبا لكل راكب فإذا كانت الأخت المريضة لم تحصل على الرعاية الكافية مما جعلها تدفع حياتها ثمنا لذلك مع أن زوجها بقلب الرجل المؤمن اكتفى بالقول إنه قضاء وقدر. لم يكلف قائد الرحلة تهدئتنا أو تعزية أسرة المرحومة عبر مكبر الصوت وكأن التي أسلمت روحها ليست بشرا وهذا ما زاد من سخط المسافرين فهل أصبحت الأرواح رخيصة لهذه الدرجة خاصة لأولئك القادمين من مصر والذين يكونون في الغالب عائدين من رحلة علاج يحتاجون خلالها للعناية الفائقة.
ما جرى من أحداث مؤسفة في رحلة اليمنية رقم (605) يدعونا جميعا لمناشدة رئيس مجلس إدارة اليمنية اتخاذ كافة الإجراءات التي تشعر المسافرين أنهم أناس من لحم ودم وليسوا حيوانات وأن مبدأ الأمن والسلامة ينبغي أن يكون متوفرا ولعلنا نتذكر كيف عادت طائرة اليمنية المتجهة من عدن إلى الأردن بعد نصف ساعة من تحليقها… فهل بدأ أسطول اليمنية بالتهالك¿ لا بد من تفسير لما حدث. لو كنت في مكان زوج المتوفية لرفعت قضية على اليمنية لعدم توفيرها متطلبات المسافرين المرضى صحيح أن الموت بيد الله ولكن الإهمال قد يكون سببا للموت ولا يعاني المسافرون فقط وهم في الجو بل في المطارات أيضا فاليمنية وللأسف الشديد لا تعامل ركابها كباقي الشركات فالمسافر يظل ترانزيت في مطار القاهرة لأكثر من عشر ساعات ولا يقدم له أي وجبة ولا ينقل لأي فندق مع أن سعرها هو الأعلى فالمسافر من صنعاء للجزائر يضطر للبقاء في المطار عشرين ساعة بدون أي خدمة تقدمها

قد يعجبك ايضا