البردوني .. ذلكم الرائي العظيم

حسن أحمد اللوزي

 - { الاحتفال والاحتفاء بالشخصيات التاريخية العظيمة سمة الشعوب الحضارية الحية التي تعتز بذاتها ومكانتها ودورها وتاريخها وبكل ما يمت إليه بصلة الوجود الفاعل والمؤثر بل والمغير.
حسن أحمد اللوزي –

{ الاحتفال والاحتفاء بالشخصيات التاريخية العظيمة سمة الشعوب الحضارية الحية التي تعتز بذاتها ومكانتها ودورها وتاريخها وبكل ما يمت إليه بصلة الوجود الفاعل والمؤثر بل والمغير.. لصلة ذلك بالإيمان بالذات والعرفان بالفرد باعتباره عنوان الماهية العامة للمجموع كله شعبا وأمة.
ولا شك – أيضا – أن عنوان وفاء الأجيال القائمة يتجلى في مثل هذا النشاط الإنساني النابع من الصفات الإيجابية للأنانية الخلاقة!! فمن حق شعبنا أن يقول أنا ويعتز ويفتخر من خلال شخصية أدبية وفكرية متميزة كالراحل العظيم والشاعر العملاق بل والرائي الأول عبدالله البردوني ومثل ذلك يقال عن رموز ثقافية يعدون بالأصابع كأبي الأحرار الشهيد محمد محمود الزبيري والمفكر والأديب والشاعر الرائد علي أحمد باكثير وغيرهما ممن أثروا المكتبة الثقافية العربية وكانوا أعلاما للحرية بكل المعنى الدقيق لهذه الكلمة سواء في حياتهم أو إبداعاتهم وتضحياتهم.
ومهما فعل شعبنا أو فعلت أمتنا فلن توفيهم حقوقهم لأن كل فعل في هذا الميدان الخصيب هو عطاء يتجدد بالثمار التي أغدقوا بها حياتنا وما زالت قادرة على الفيض في حقول الشراكة التثقيفية والتربوية وتعلم دروس الاقتداء والاقتفاء في جريان لا يتكرر في نهر الحياة القابل لتواصل العطاء والمزيد من الفيض وذلك يتوقف على أجندة المؤسسات الثقافية والفكرية والتعليمية والتربوية والإعلامية والجامعات ومؤسسات المجتمع المدني وخططها بالنسبة لإحياء المناسبات السنوية لتلك الرموز الخالدة وبأساليب جديدة وإضافات نوعية توظف من أجلها الدراسات العلمية والمنهجية والأعمال الإبداعية المبتكرة وبتشجيع رؤوس الأموال الوطنية والعربية لذلك كما يجري في المجتمعات الحضارية المتقدمة ولا أتحدث هنا وبهذا الشأن عن دور الحكومات والمؤسسات الرسمية المعنية!!
وهنا لا بد من الإشادة والتعبير عن الامتنان والتقدير لكل منú أسهم في النشاط الذي عاشته وتعيشه بلادنا لإحياء الذكرى الثالثة عشرة لرحيل فقيد الشاعرية العربية الأصيلة والثقافة الحية ونبراس أدب الثورة والالتزام المغفور له بإذن الله عبدالله البردوني حيث لا يذكر الشعر العربي الحديث في أي مكان كان إلا ويكون اسمه في الصدارة وتكون مدرسته الكلاسيكية متوهجة في قمة الحداثة الشعرية وتكون اليمن المهد الأول للعروبة حاضرة معه بكل التفاصيل البديعة والرائعة والأصيلة ولأن المجال هنا لا يتسع للإبحار فيها سوف أختم بهذه المختارات من نص رثائي كتبته بعد وفاته يرحمه الله :
أيها الرائي الذي دل نهاري
في البدايات التي شعت بناري
يا سليل الشمس والمهد الحضاري
كيف أرثيك وإن جاش اختياري
أن أصوغ الجمر في قلبي اضطراما
وانسعارا لفراق كاحتضارö
ورؤى الشعر احتدام لبكائي
وانكسار دل عن معنى انسعاري
والحنايا فاض منها ما أداري
يا نواح الروح في كل الديارö
أيها الراحل يا ضوء بياني
في اندياح اليأس والعمر المعارö
أنت نبع الائتلاق المتجلي
في كتاب الخلد مرقوم المدارö
أنت تمضي لخلود مستحق
وخلود الشعر في فيضك جاري
كالبراكين وأبراج لنار
والبشارات وإيماء المنارö
أيها الرائي الذي عاش محبا
وحكيما لا يداجي أو يماري
فهو حينا يكتب الشعر حزينا
يسكب الغيث سخي الانتشارö
وهو حينا غاضب الحرف إباء
كبرياء وجنونا كالضواري
وتصدى لأفاع كالتتار
واليرابيع وأفخاخ الشنارö
كان يدري كل أشباح الليالي
سوف تهوي تحت أقدام النهارö
البردوني باق يتسامى
في عنان الضاد موصول الفخارö
هو صان السر في سحر القوافي
صون عملاق عظيم للدمارö
مثلما شاء حضورا وامتدادا
في بناء الشعر غواص الغمارö
ومحيطا بالحداثات جميعا
والثقافات بلا حيف انبهارö
جود الإفصاح عن كل الأماني
بر بالإبداع أجيال العشارö
كان إقلاعي إليه كجموحي
أم تراه كارتقاء اضطراري
علني أفصحت في بوح الحنايا
عن شعور رابه فقد الفنارö
فإذا كل بياني فاعتذاري
ولذكراه صلاتي وإذكاري
} } } }
أرض بلقيس كما شئت ستبقى
أرض خير ورخاء وازدهارö
وصمود وبقاء وتحد
واعتلاء لذرى المجد الحضاري

قد يعجبك ايضا