الرموز البدئية في جديد الشاعر أحمد العرامي

عبدالسلام الربيدي


عبدالسلام الربيدي –
مقدمة وتأسيس نظري
ما من شاعر إلا وله أساطيره وخرافاته فالإنسان المعاصر رغم دعاواه العلمية والعقلية العريضة لم يتحرر من أساطيره وخرافاته شاعرا كان أو لم يكن. غير أن الشاعر دون غيره يعطي للخرافات بعدا مجازيا و أفقا جماليا يجعلها جديرة بدهشة القارئ وحيرته. وسيرا على هذا الدرب يلجأ الشاعر أحمد العرامي في ديوانه الشعري « كأن نبيا خلف الباب» إلى خلق حكايات لذات إنسانية تتفاعل مع العالم وتنفعل به ويغلب على هذه الذات صفة الشجن إلى الدرجة التي تحمل فيها الشجن اسما فتصير « الشجني». وهذه واحدة من أساطير الشاعر العرامي وخرافاته : فمن هو الشجني ¿ وماهي حكاياته¿.
الشجني مولود أسطوري لم يولد إلا في هذا الديوان المكون من قصيدة واحدة مليئة بالشجن والذكرى والحب والمغامرات المجازية. وبين هذه الموضوعات التي تسيطر على الديوان من أوله إلى آخره ينثر الشاعر مجازاته الأسطورية الجديدة التي لم تخلق إلا في مخيلته. وحين نقول « مخيلة شاعر» فإننا نتحدث عن المجموع و إنú كنا نتحدث عن الفرد. فـ»كل شخص مبدع – كما يقول كارل يونج – شفع أو تركيب من مؤهلات متناقضة. إنه من جهة كائن بشري وله حياته الخاصة. و هو من جهة ثانية غير شخصي سياق و إبداع». أي أنه حين يبدع يعبر عن المشترك الإنساني الضروري ذلك «أن الاستعداد الفني بالتخصيص ينطوي على رجحان للحياة النفسية الجماعية على الشخصية». وفي هذه النقطة الحساسة التي تمتزج فيها مقولات علم النفس بعلم الانثروبولوجيا يلتقي الفرد بالمجموع أو بعبارة نفسية اصطلاحية يلتقي اللاوعي الفردي ( طبقا لفرويد) باللاوعي الجمعي ( طبقا ليونج). فالشاعر الفنان فرد يحمل لاوعيا واحدا مليئا بالذكريات والشجن والفرح والألم و الماصدق والخرافة. وهو لا يكبت هذا المخزون الفردي حتى تأتي أحلام اليقظة أو أحلام النوم ليرسله بل يعمل على تحويله وتصديره إلى المجموع الذي ينتمي إليه ويستمد منه هذا المخزون الخفي.
و قد دأب كثير من الشعراء والفنانين و أهل الوجد والبوح على اللجوء إلى هذا المخزون الهائل ليستمدوا منه ما لا يصل إليه إلا أهل الحدس والكشف والشعور الحاد. ومن هؤلاء الشاعر الصوفي ابن عربي والفيلسوف الألماني نيتشه. غير أن الشعراء المحدثين استطاعوا أن يحدثوا ثورة عارمة في تقليب علامات اللغة وجعلها ملتقى لمتغيرات الفكر والعاطفة.
و إن من أهم ملامح هذا المخزون الجمعي اللاوعي ما يطلق عليه يونج الأنماط البدئيةArchetypal Patterns وهي عبارة عن رموز راسبة في اللاوعي الجمعي البشري وهي تظل تسري فيه بصورة خفية لا يدركها الإنسان في أغلب الأحيان إلا عند إعمال النظر والبحث. و قد تأخذ هذه الأنماط صورا و أشكالا متنوعة تبعا لتنوع الثقافات المختلفة وتعددها ففي الثقافة العربية – مثلا- قد ترد تلك الأنماط في صورة الطلل أو الماء أو غير ذلك.
و نحن في هذه الورقة سنحاول الوقوف على أهم العلامات الموضوعاتية التي شكلت منظومة الرموز البدئية في ديوان « كأن نبيا خلف الباب» وما استتبع ورودها من صور شعرية صيغت بصورة لاواعية متدفقة. ومن قراءة الديوان نجد أن بعض العلامات الموضوعاتية التي تأخذ مكانة مركزية في الديوان تأتي في صور شتى:
• فمنها ما يأتي في صورة شجر أو نبات :» اللöزاب» و»الشذاب» و»الشقر» و « وريقة الحنا» و»بنت النبي» و»الصبارة».
• أو في صورة أفلاك وظواهر كونية كبرى: «القمر» و»الماء» و «الأحجار» و» الطين» و»الريح» و»الرائحة» و»النار» و»الليل».
• أو في صورة حيوان أو طائر أو حشرة : « الخيل- الفرس» و «العصفور» و» القطاة – حمامات» و»النوارس» و «الفراشة».
• أو في صورة إنسان : «المرأة: الأم وبنت الجيران» و»الطفل».
• أو في صورة مكان حميم : «القرية».
• أو في صورة المحفوظ الفني الشعبي: «الأغاني» و «الزوامل» و»الباله» و»السماية».
و لئن كان هذا ليس مسحا شاملا فإنه يرسم صورة شبه وافية لموضوعات الديوان التي اطردت وشكلت بؤرا مفتاحية لإنتاج دلالات النص الفرعية. فالموضوع وفقا لهذا التصور «هو – في النص- النقطة التي يتبلور عندها الحدúس بالوجود الذي يتجاوز النص وفي ذات الوقت لا يوجد مستقلا عن الفعل المؤدي إلى إظهاره». إذن الموضوع هو الرابط بين النص والعالم عبر لا وعي الذات المعبر عنه بالخيال. فالذات المدركة في تفاعلها مع العالم تعيد إنتاج العالم وفقا للعاطفة والشغف اللذين يربطان الكلمات بالأشياء لتتكون العلاقة الحميمة عبر موضوعات لغوية محددة. ومن هنا فلا مناص من التوصل إلى قناعة مفادها أن « العمل الأدبي هو أولا مغامرة روحية و أنه أثر ووسيلة وفرصة لتجربة لا يمكن لأي معرفة استنفاد معانيها». يدخل الشاعر في تجربته الشعرية محملا بذكرى لا تنفك تراوده على التعبير عنها فهي حميمة وقديمة ذلك

قد يعجبك ايضا