حب لا صوم معه

خالد الصعفاني


خالد الصعفاني –

أحب بلدي كثيرا لكن ليس على مذهب السياسي غير الأمين حين يضع مصلحة حزبه أو ذاته أولا ولذلك أجدني وغيري نتفوق على بعض معشر السياسيين في الشعور الايجابي الفعل تجاه الوطن وإزاء المواطن ..
يقطر قلبي دما حين اعلم أن يمنيا فقد روحه بواسطة يمني آخر والسبب أرضية أو مبلغ مال كبر أو صغر وأحيانا أخرى تذهب روح آخرين بسبب سوء تفاهم أو جدل عابر .. وأزعل من قلبي حين أسمع عن يمني زوج ابنته قاصرا أو بالغا لشيخ مسن أو لغريب في اليمن سائح أو زائر لمجرد أن الأخير ادخل يده في جيبه وأخرجها بيضاء مليئة بالمال .. ويزعجني جدا أن أرى اليمني يلتزم بالنظام والآداب العامة ما أن يغادر أجواء بلده لكنه أول من يعانق العشوائية وقتل القانون لدى وصوله أجواء اليمن ..
أتضايق كثيرا في كل مرة ازور فيها بلدا آسيويا أو إفريقيا أو أوروبيا وأجد أن الناس هناك “عايشين” بينما أحتار في تسمية ما نحن عليه من مشهد العيش .. واستهجن أننا نعيش مع باقي خلق الله في ذات القرن الحادي والعشرين هم في فضاء الوعي والانجاز والإنتاج بينما نمسك بقعر التخلف في كل شيء ونضيع ساعات الليل والنهار عنوة في مضغ القات من اجل الكيف وبس ..
لست بحذلقة السياسي وهو يحرك لسانه سبع مرات قبل أن ينطق بالكلام لكنني اعرف ما أريد تماما من وطني ولأجله ومستعد والملايين معنا في تلبية ندائه أو رجائه .. كما لست في مستوى القيادي الحكومي وهو يختفي بـ”هنجمة” الكرافتا او “هوكة” السيارة ” الصرف ” الفاخرة لكنني استاء من كل تصرف جمعي أو فردي يسيء للبلد وأسأل نفسي دوما لماذا يتطورون ونتخلف ويتقدم غيرنا بينما نرتكس نحن .. ولست بقوة ذلك المسئول الذي أوتي من كل شيء إلا من عقل للإبداع وقلب يحن على أهله وناسه على طريقة شعرة معاوية لكنني اعرف ما يريد الناس من حكومتهم وكيف يقف طموحهم عند حدود الطلب المتواضع جدا والمعقول جدا جدا ..
اليمني بالمناسبة بسيط ومباشر ومتواضع الطموح وهي مواصفات يفترض أن تعزز لدى الحكومة رغبة توفير اللازم من اجل وطن خال من المشاكل والقلاقل .. يريد اليمني كهرباء تغذي نشاطه التجاري وحياته اليومية ولو بقوة “فولتات” غير قياسية عالميا , ويريد قانونا يمشي بين الناس ونظام يستوي أمامه المدير والغفير والرئيس والمرؤوس كما انه يريد أسعارا معقولة لما يحتاجه من اجل حياة كريمة لأسرته التي يعولها ..
اليمني لا يريد أن يكون بلده أم الدنيا كما يرنو المصري ولا يطمح إلى شراء الحضور السياسي كما يأمل القطري ولا يتمنى صناعة البزنس او الرياضة بطريقة أهل الإمارات .. واليمني ابعد ما يكون عن حلم منافسة اليابانيين في أفكارهم أو مجاراة الألمان في اختراعاتهم أو أن ننازع أهل روما في تاريخهم الغني والتليد .. لا لا .. اليمني حكيم ويسير وفقا لعبرة الحياة المتوارثة ( على قدر فراشك مد رجلك ) , وهو في كل ذلك ينتظر ناتج الحكومة منذ انطلاق مشاريع الخطط الخمسية في نسخة السبعينيات والثمانينيات مرورا بالتسعينيات واكتمالا بعقد ونيف من القرن الجديد ..
ينتظر اليمني بصبر عجيب ويتلاءم بصبر أعجب , ويلتفت تارة لبرامج الحكومة وأحيانا لمخرجات الجامعات الحكومية أو الخاصة وتارة أخرى لبرامج الدعم الكثيرة الممولة من الخارج وهو ينتظر دور الشباب الذين قطعوا في ” العلام ” ما لم يتح لسابقيهم وهو ينظر لفرج الله ويحلم في قوم يأتون من السماء قد يكون معهم الترياق المطلوب جيلا بعد جيل ..
أخيرا :
لم يكن حب الأوطان يوما رهنا بزعيم سياسي أو مسئول حكومي حتى وان كانت الشعوب عادة ما تدفع فاتورة خطأ أو رعونة هؤلاء كما أنها في جانب قد تنعم في خير توجهات وقرارات أولئك .. كما لم يكن يوما هذا الحب فاتورة لتوفر سلة من الاحتياجات الحياتية حتى نقول نحبه إذا توفرت ونتبرم منه إذا غابت .. حب الوطن يا عزيزي عادة وعبادة إيمان وسلوك وهو حاجة حياة لا تحتمل الصيام حتى في رمضان ..
khalidjet@gmail.com

قد يعجبك ايضا