أي إسلام هو «الحل»¿¿ (1)
أحمد الطرس العرامي
أحمد الطرس العرامي –
لم تكن ثورات الربيع العربي (ثورة على الجمهوريات الملكية) وحسبكما أنها لم تكن أيديولوجية ولا مركزية كانت ثورة الهامش على المركز ثورة جمعت أكثر من فكر وأكثر من تيار تحت لوائها وهذا ما جعل كثير من المنظرين ينظرون إليها على أساس أنها ليست ثورات لأنها لا تمثل تحولا فكريا وفقا لصيرورة التاريخ عند ماركس وبعيدا عن صحة ذلك من عدمه يمكن لنا ملاحظة جانب من التحول الذي يمكن أن تفضي إليه هذه الثورات من خلال قراءة تعاليقها مع حركة (الإسلام السياسي) ودور التيار الديني فيها وانعكاسها أو أثرها عليه وما يترتب على كل ذلك.
لا يمكن الفصل بين التحول التاريخي الذي أفضى إليه الربيع العربي أو يمكن أن يفضي إليه والتحول الفكري والسياسي داخل حركة الإخوان المسلمين بفعل -وبالتزامن مع- الربيع العربي… إذ أن هذين التحولين لا يمكن قراءة أحدهما بمعزل عن الآخر بينما هما يمثلان أو يشكلان معا جوهر المنعطف التاريخي السياسي في المنطقة. إذ أن التحول الذي تشهده الحركة إنما هو تحول في الفكر والنظرية وهذا التحول يمكنه الاضطلاع بمهمة ردم مناطق التوتر بين الفكر الديني وفكر مكونات المجتمع الليبرالية والعقلانية والمدنية وكذلك بين ما يمكن تسميته بالمبادئ الإسلامية والمبادئ العالمية المشتركة… أو الأخلاق العالمية «التي تقوم عليها المجتمعات الغربية والفكر السياسي فيها».
لقد وجدت حركة الإخوان المسلمين نفسها أمام مهمة صعبة وهي إثبات ما ظلت تنظر له على مدى عقود وسنوات ومعنى هذا أنه لا يمكنها أن تظل على حالة من الركود والثبات لأن ذلك سيقودها إلى الفشل فقط والفشل بطبيعة الحال سيقودها إلى مزبلة التاريخ.. ولن تقوم لها قائمة أبدا… فالآن وقد وصلت إلى الحكم صار لزاما عليها أن تثبت لنا ما تقصده بالإسلام «الحل»¿
من المستحيل أن ينجح الإخوان بأسلوب التفكير القديم أو بالأدوات العتيقة لا بد -لتحقيق أدنى مستويات النجاح- من التعايش مع الأقليات ومع الطوائف والتيارات المختلفة في الداخل ولا بد من إقامة جسور علاقات مع الغرب من أجل تحقيق تقدم اقتصادي لمجتمعاتهم الفقيرة ولا بد من إطلاق الحريات وووو إلخ وهذه هي المبادئ التي يمكن القول أنها تشكل مخاوف المجتمعات العربية بمكوناتها الليبرالية والمعتدلة واليسارية والتيارات والأقليات الدينية….
ولعل حركة الإخوان تعي هذا الأمر جيدا لقد بدا ذلك من خلال بعض المؤشرات الأولى في تونس وحتى مصر إذ نجدهم يغيرون من سياستهم أو من وجهة نظرهم ويطمئنون كل هذه الأطراف ويزيلون المخاوف كما يتضح في الخطاب السياسي (لإسلاميي تونس) قبل وبعد الانتخابات وفي خطاب الإخوان في مصر بعد الانتخابات (الرئيس مرسي ركز على كل تلك النقاط في أول خاطب له بعد توليه الرئاسة) لكن وقبل هذا يمكن ملاحظة أنهم كانوا قد تخلوا عن فكرة «الجهاد» وسلكوا الطريق السلمية سواء من خلال مشاركتهم الفاعلة في الاحتجاجات ضد الأنظمة أو دخولهم في الانتخابات والذي يعني إيمانهم أو قناعتهم بالمبدأ الديمقراطي….
لا يمكننا النظر إلى صعود الإخوان المسلمين في كل من تونس ومصرعلى أساس أنه تحول أو منعطف في حركة التاريخ في المنطقة إلا لأن من شأن هذا الصعود أن يدفع بالإسلام كمقولة أو كفكر في مواجهة حيثيات الواقع ويضعه أمام اختبار حقيقي واقعي بعد أن كان غارقا في مسألة التنظير. فرغم أن الفكر الإسلامي كان قد طرح نظرية سياسية مستمدة من الإسلام وتشريعاته (ربما تجلت في نظرية الحاكمية مثلا وبروز ما يسمى بمشروع الإسلام السياسي) إلا أن هذا المشروع ظل نظرية خالصة تفتقر للنموذج الواقعي التطبيقي أو إلى التجربة الواقعية/ العملية…وفي ظل ذلك ما فتئ الخطاب الديني يستدعي النموذج القديم من خلال العودة إلى عصور التاريخ الإسلامي لتدعيم مقولات مثل «الإسلام هو الحل» أو «الإسلام دين ودولة» وما عدا ذلك -وبالاستناد إلى ذلك أيضا-كان هناك نموذج مستقبلي يبشر به الاتجاه التنظيري التحديثي التجديدي داخل الفكر الإسلامي أو على الأقل ينشده من خلال خطابه لقد كان الأمر أشبه بتوق نحو الدولة الإسلامية التي تطبق الشريعة وتنهض بالأمة.
الأمر مختلف جدا الآن من حيث طبيعة الواقع نفسه أو من حيث دور أو علاقة أو موقع الحركة نفسها منه لقد كانت من قبل معارضة وذلك فيه متسع للمجال التنظيري لكنها الآن أمام تجربة واقعية وظروف اجتماعية وسياسية مختلفة تماما…لقد خرج الناس في الربيع العربي -وخرج الإخوان معهم- وكانت المفردات التي تشكل خطاب الثورات هي (الحريات اللاقمع العدالة لقمة العيش