ناقــــد ومنقـــــود
المقالح عبدالكريم
المقالح عبدالكريم –
النقد وحي.. لأنه يدرك الوحي ويحتضنه.. وحرية لأنه لا تمييز في العبودية»
مي زيادة
1-
قبل أكتوبر 2002م قلة فقط كانوا يعرفون أو يسمعون باسم «أميري كيريتش» كاتب ومترجم مجري من مواليد بودابست 9/11/1929م.
لكنه سرعان ما استولى على اهتمام العالم أجمع عندما برق اسمه على نوبل: الجائزة والعالمية فأصبح بلا منازع أديب العام 2002م.
وكعادة هذا الحدث والتعامل معه تزوبعت علامات الاستفهام: أين كان¿! لماذا تأخر وصوله إلينا وغيرنا¿ ثمة دليل أولي يشير إلى منتهى التساؤلات وربما إلى مبتداها.. كيريتش نفسه في حوار صحفي أدلى بمرارة يئوس صعقتها كالتالي:
صدرت روايتي «كائن من غير مصير» عام 1975م في بودابست بعد ذلك تمت ترجمتها إلى اللغة السويدية عام 1985م ومن ثم إلى الدانماركية عام 1995م ولم تصل ترجمتها إلى الألمانية إلا عام 1996م ألا تعتقد أن هذا البطء في الاهتمام بما يكتبه شخص ما فيه نوع من الإحباط ولكن بالنسبة لي لا يشكل أي أهمية.. فأنا أكتب فقط وليحدث بعد ذلك ما يحدث.
2-
والنقد ماذا عنه..¿
أكان له يد أو ذراع أو حتى ساق في عدم تقديمه للآخرين ناشرين مثلا أو مترجمين..¿
بدأت المرارة الدامية يكاشفنا كيريتش بوجهة نظره صراحة للأسف إن النقد أصبح يتعلق بمدى امتلاك الكاتب لأكبر قاعدة ممكنة من العلاقات.. والنقاد ينتمون بلا شك لهذه القاعدة التي أفتقدها».
زاوية أخرى علها مستمدة من تجاربه الشخصية مع النقد.. يقوم كيريتش بتكبير اللقطة أكثر.. سعيا منه ربما للتوضيح على نحو أقوى وأعمق يقول:»نلاحظ تراكم نوع من النقد الغامض المشوش الذي لا ينبني على أيه أسس معرفية وإنما بخدمة متركزا عند جهود الناقد على افتعال إسقاطات على النص المكتوب وعلى صاحبه وإنطاقهما بأشياء لا يودون قولها وهم يقفزون أحيانا من النص إلى شخصية كاتب النص وعلى أساس هذه الشخصية وظروفها المحيطة بها يكون نقدهم.
نقطة مثيرة جدا لا بد سيثار فضول محق بشأنها إذن كيف كان كيريتش يتعامل مع وضع كهذا.¿¿
-3-
وماذا أيضا تجربة أخرى .. الراوئي العربي الكبير خالد الذكر عبدالرحمن منيف في حوار صحفي.. استوقفته مقولة متداولة على نطاق واسع ربما بسبب سطحيتها اللامتناهية في تعريفها للناقد من حيث كونه أديبا فاشلا لم يستطع إثبات جدارته الإبداعية فالتفت صوب غيره حاملا لواء النقد وربما الحقد والحسد وهات يا كر وفر!!
تصوير ساذج لهذا من المؤكد أنه استفز منيف والذي سارع إلى تشريحه من خلال رؤية موضوعية والأهم منطقية انبنت على شواهد واقعية فماذا قال¿ استمعوا إليه:» القول إن الناقد أديب خذلته إمكانياته فاتجه إلى نقد المبدعين قول يحتمل قراءتين: الأولى هذا المقدار من النقد الهزيل الذي يطفو وبضجيج عال على صفحات الجرائد ونظرا لسهولته باعتباره نقدا انطباعيا بالدرجة الأولى وله ارتباط بالعلاقات الشخصية سلبا وإيجابا فإنه واسع الرواج ويلبي «ضرورات «من نمط معين وأغلب الذين يمارسونه كتبه نصف موهوبين..
أما القراءة الثانية لهذه المقولة والجديرة بالانتباه الشديد فهي أن الإبداع لا يترسخ ولا يستقيم دون نقد جدي أي إعادة تشييد العمل الإبداعي وفق مقاييس تجعله أكثر وضوحا وأشد نفاذا مثل هذا النوع من النقد يتطلب حصيلة كبيرة من المعرفة والتعامل مع العمل الإبداعي بطريقة تتجاوز القشرة إلى الأعماق الحقيقية لهذا العمل.
-4-
إنه فعلا ما ينقصنا.. النقد الجاد الذي يؤتي ثماره فعلا ولن»منيف» بهذا الخصوص دليله الأكيد مثال حي من تاريخ الأدب الإنساني وتحديدا الأدب الروسي العظيم تأملوا معي هذا:
حين كان دستويفسكي في مراحل كتابته الأولى وكتب أولى رواياته جاءه بلينسكي بعد منتصف الليل وحالما انتهى من قراءة المخطوطة ليشد على يده ويهنئه وفي اليوم التالي بشر روسيا كلها بأن روائيا عظيما قد ظهر وتتالت الأزمنة لتؤكد أن دستويفسكي أعظم روائي على مستوى العالم.
طبيعي لا يمكن الزعم أن بلينسكي خلف دستويفسكي ولكنه بالتأكيد أول من اكتشفه وأيضا ساهم في إنارة السبل التي يمكن أن يسلكها مما جعل التفاعل قائما وقويا بين الإبداع والنقد مما أتاح للإبداع أن يتطور وأن يغتني ولعل هذا ما تحتاجه الرواية العربية في المرحلة الراهنة.
-5-
على صعيد النقد الاسقاطي إن جازت تسمية كهذه يعترف كيريتش أنه يجد صعوبة في التخلص من تلك الأقلام الناقدة التي تسعى دائما إلى التركيز على ظروف نشأتي ومعاناتي لاهية عن النص الذي أنجزته ودراس