الواقع والأسطورة (4)
أحمد يحيى الديلمي
أحمد يحيى الديلمي –
> صنعاء عاصمة اليمن التاريخية:
اجمعت الكثير من المصادر التاريخية على أن مدينة صنعاء ظلت على مر العصور العاصمة التاريخية لليمن منذ اكتمال بنائها احتلت مكان الصدارة في مخيلة الملوك الذين تعاقبوا على حكم اليمن في حقب الانبعاث الحضاري وتعاقب الدويلات اليمنية بما مثلته من انطلاقات حضارية واستمر الحال كما هو عليه ودخل اليمنيون في دين الاسلام فرغم أن اليمن تحولت إلى ولاية من ولايات دولة الخلافة الإسلامية إلا أن صنعاء ظلت مصدر الاشعاع الحضاري وأهم مركز من مراكز التجارة العالمية.
هناك مصادر تاريخية تحدثت عن أن مراكز النفوذ السياسي والثقل العسكري انتقل إلى مدن يمنية أخرى مثل مارب وظفار وقرناو وبراقش إلا أن صنعاء ظلت القلب النابض للوطن اليمني في كل العصور فكانت موضع كل الأنشطة ومحور الحركة بأبعادها السياسية والاقتصادية والثقافية والإدارية وكانت أيضا مركز العديد من الصناعات التي لا يستغني عنها المستهلك في العديد من دول العالم.
في هذا الجانب لا بد من الاشارة إلى أن دولة معين عندما اختطت معالم الحضارة اليمنية كانت أول من ابتكر الصناعة التحويلية فلعبت دور الوسيط بين مواقع الإنتاج ومراكز الاستهلاك للعديد من السلع كانت تستورد المواد الخام وتقوم بما يشبه التقطيع والتغليف والتعبئة ثم تعيد تصديرها كانت المهمة مشتركة بين صنعاء ومدينة الشحر استيراد المواد الخام يتم من خلال البحر عبر ميناء الشحر أو القوافل التجارية البرية عبر ما عرف بطريق الحرير فكانت المهمة متبادلة بين الشحر وصنعاء الشحر للاستيراد والتصدير وصنعاء التقطيع والتجهيز لإعادة التصدير في هذا الصدد تؤكد المصادر التاريخية أن المعنيين كانوا أول من ابتدع دور الوسيط والقيام بأعباء التسويق وهو ما جعل مدينة صنعاء تشتهر بالصناعة وتصبح أهم مركز تجاري عالمي في ذلك الزمن الغابر حتى عندما كانت العاصمة السياسية تنتقل إلى بعض المدن ظلت صنعاء العاصمة الاقتصادية ومركز الثقل الصناعي ولعل هذا كان سبب التطور والارتقاء بهندسة البناء والابداع في تخطيط وتطوير أسواق البيع وسنتحدث عن هذا الجانب بالتفصيل في الموضوع الخاص بسوق الملح إن شاء الله.
مما يتضح أن هذا الدور الذي اصطلعت به صنعاء كأن أساس التسمية الثالثة لأن اسم صنعاء ترسخ في الاذهان ولا يزال هو السائد إلى زمننا الراهن.
وفي هذا دليل واضح على قوة ذاكرة المكان لأنها ما إن تدون المسميات أو تلتقط عدستها شواهد الأحداث تحتفظ كما هي لا يستطيع الإنسان محوها أو التأثير عليها.
النطاق الجغرافي للمدينة: تقول بعض الراويات أن النطاق الجغرافي لمدينة صنعاء كما حدده أول من اختطها سام بن نوح هو نفسه المساحة التي سورتها الدولة العثمانية بدليل أن ما خلف السور كان بساتين مزارع القائمين عليها ينتمون إلى القليل المحيطة بصنعاء وورد في بعض الوثائق أن ظهر الحمار هو الحد الشرقي لصنعاء.
بينما ذكرت مصادر أخرى أن صنعاء تعرضت للهدم والدمار أكثر من مرة وأنها اتسعت في زمن الخليفة العباسي هارون الرشيد حتى كانت الجبال المحيطة اسوارها وأن عدد المساجد بلغ عشرة آلاف مسجد كانت كلها عامرة بالصلاة في أوقاتها الخمسة ولعل الرواة قصة بقوله
