التذكير بخطورة المشكلة.. والبحث في أساليب المعالجات


‬محمد العريقي –
< في أواخر شهر مايو الماضي سنحت لي الفرصة أن احضر عدد من المنتديات الفرعية التي عقدت في عدد من محافظات الجمهورية ومنها المنتدى الفرعي للمياه الذي عقد بمدينة تعز كمنتدى إقليمي ضم إلى جانب محافظة تعز كل من محافظات إب وذمار والبيضاء ونظمت تلك المنتديات من قبل وزارة المياه والبيئة بالتعاون مع مشروع استجابة المدعوم من وكالة USAID وفي ذلك المنتدى الذي حرص محافظ محافظة تعز الأستاذ شوقي احمد هائل أن يكون متواجدا طوال فترة النقاش بل كانت له كلمة مفصلة عكست إلمامه الأستاذ شوقي بأبعاد وأسباب المشكلة والحلول الممكنة لمواجهتها وربما انه مستوعب لهذه القضية قبل أن يكون محافظا للمحافظة بحكم معايشته وإدراكه لأهمية المياه في الاستقرار والتنمية وعندما أصبح محافظا للمحافظة تعامل مع القضية من منطلق المسؤولية حيث جعل قضية المياه من الأولويات التي يجب وضع الحلول المناسبة لها وركز على موضوع تحلية مياه البحر كخيار استراتيجي لتوفير احتياجات المدينة من المياه وهو ما بدأ يسعى إليه منذ الآن هذا ما فهمناه ونحن نتابع حديث الأستاذ شوقي احمد هائل محافظ محافظة تعز في ذلك المنتدى .
المنتدى الفرعي للمياه الذي عقد في تعز وقد أدار جلساته الإخوة القاضي احمد الحجري محافظ محافظة إب والمهندس توفيق الشرجبي رئيس السكرتارية الفنية لدعم قطاع المياه والصرف الصحي والمهندس نجيب المقطري عن مشروع استجابة تم فيه استعراض الوضع المائي للمحافظات المنضوية في ذلك المنتدى (وسنستعرض ماجاء في أوراق الأعمال مستقبلاٍ) وهنا سوف نبدأ بعرض الورقة التي أعدها المهندس عبد الصمد محمد يحيى مدير مكتب الهيئة العامة للموارد المائية فرع تعز والمهندس خالد الشجاع .
أوضحت الورقة أن محافظة تعز تعد في مقدمة المحافظات اليمنية التي تعاني من شحة مواردها المائية و تتواجد فيها عدة أحواض مائية معقدة التراكيب الجيولوجية وتعاني من استنزاف وأهمها ( أعالي وادي رسيان – ورزان – بني خولان – الغيل – الحوض الساحلي – ماوية – …).
وتشير الدراسات إلى أن معدلات الاستخدام تفوق حجم التغذية للمياه الجوفية في هذه الأحواض .
كما تْعاني منطقة تعز من أكبر المشاكل المائية حدة على مستوى اليمن كما أن المعدل السنوي لتغذية المياه الجوفية لايزيد عن 15 مليون م 3للمستجمع المائي لأعالي وادي رسيان وطبقا للتقديرات تستهلك مدينة تعز ما يقَارب 7 مليون م 3 من المياه حيث تصل احتياجات قطاع الصناعة هناك إلى حوالي 4.5 مليون م 3 .
وكما عانت الصناعة من عجز حاد في متطلباتها المائية فقد اضمحلت الزراعة المروية في الكثير من المناطق بسبب جفاف الآبار وطالما استمر النمو السكاني الحضري بالوتيرة القائمة (7.9% سنويا) فأن هناك حاجة لكميات مهولة من المياه لتغطية احتياجات المدينة على الأقل .

وتؤكد الورقة أنه في ظل عدم تطوير وتفعيل الإستراتيجية الوطنية للمياه فإن من المتوقع أن تتواصل معاناة مدينة تعز جراء المشاكل الحادة للمياه إلى حد بروز الأزمات بين الوقت والأخر فالخزانات الجوفية ستنحسر في عموم المنطقة والمياه الجوفية ستنخفض بشكل حاد متسببة في ارتفاع كلفة ضخ المياه .
كما أشارت الورقة إلى ترابط شديد بين توفر المياه من جهة والصحة العامة والبطالة والفقر وتعليم الفتيات والتنمية الاقتصادية والاجتماعية عموما من جهة أخرى .
ونبهت الورقة إلى أن هذا الواقع المائي يفرض على البلاد تحدي تخفيض الاستخدام الحالي غير المستدام للموارد المائية عن طريق تحسين إدارة هذه الموارد وتخطيط استغلالها بصورة عقلانية رشيدة وتحدي توفير مياه الشرب النقية للأغلبية العظمى من السكان في الحضر والريف سواء بالطرق التقليدية أو غير التقليدية.
وعلى هذا الأساس فقد قامت الهيئة العامة للموارد المائية بإعداد سلسلة من الخطط الإقليمية لإدارة الموارد المائية كانت أولاها خطة إدارة الموارد المائية بمنطقة تعز (أعالي وادي رسيان ) وإعلانها منطقة حجر مائي بموجب قرار مجلس الوزراء
كان هذا الجزء الأول من الورقة والتي تطرقت للملمح المائي على مستوى المحافظة أما الوضع المائي لمنطقة تعز فقد تناولته الورقة على النحو التالي
الوضع المائي في منطقة تعز
في هذا الصدد استعرضت الورقة بيانات العديد من الدراسات السابقة المتعلقة بالحوض المائي التي كانت تعتمد عليه المدينة وخاصة حوض أعالي وادي رسيان (خطة الإدارة المتكاملة ) حيث تشير التقديرات إلى أن حجم التغذية للمياه الجوفية مقدرة بـ (15مليون م³/سنة) بينما يبلغ معدل الاستخدام (43 مليون م³/سنة) منها 41 مليون م³/سنة من المياه الجوفية و 2 مليون م³/سنة من المياه السطحية ومقدار العجز يصل إلى (28 مليون م³ / سنة ). تتوزع هذه الكمية على القطاعات كما يلي:-
استخدامات المياه للزراعة 27.1 مليون م³/سنة والاستخدامات المنزلية للمناطق الريفية 2.7 مليون م³/سنة والاستخدامات المنزلية للمناطق الحضرية 6.8 مليون م³/سنة واستخدامات المياه في الصناعة 4.6 مليون م³/سنة أي بنسبة11% للصناعة و 66% للزراعة و 16% الاستخدامات للمناطق الحضرية و7%للاستخدامات المنزلية في الريف
الإنتاج المائي المغذي لمدينة تعز( المؤسسة المحلية للمياه 2011)
وتطرقت الورقة إلى بعض البيانات التي أعدت من قبل المؤسسة المحلية للمياه والصرف الصحي في تعز حيث بينت أن عدد سكان المدينة يقدرون = 591161 نسمة تقريباٍ.
أما عن بيانات المياه فقد أشارت أن كمية المياه المنتجة سنويا تقريبا من المؤسسة = 6052407 م3
وإجمالي عد الحقول المغذية للمدينة = 6 حقول مائية وإجمالي عدد الآبار المغذية للمدينة تقريبا = 65 بئرا
وعدد المستفيدين من خدمة المياه = 341 453 نسمة وصافي كمية المياه المنتجة (المتاحة للتوزيع) = 5 466 935م3 وإجمالي كمية المياه المباعة (المستهلكة) = 4 268 206 م3 وكمية المياه الفاقدة مقارنة بصافي الإنتاج = 1 198 729 م3 و كمية المياه الفاقدة مقارنة بصافي الإنتاج بنسبة =22% ومتوسط نصيب الفرد من المياه المباعة = 34.7 لتر/ فرد / يوم ونسبة التغطية السكانية لخدمات المياه 58%
الاحتياج الفعلي للمياه لتغطية المدينة :-
وتعيد الورقة لتذكر بافتراضية أن حصة نصيب الفرد من المياه تقريبا 80 لتر/ يوم = 29 م3 / سنة أي أن الاحتياج الفعلي من المياه تقريبا = 27316 م3 / اليوم = 9833760 م3 / السنة. وهذا يكشف أن نسبة العجز بين إلا نتاج الحالي2011م والاحتياج الفعلي للمياه = 63 %
وكما تمت الإشارة سابقا أن عدد سكان مدينة تعز قدر ب591161 نسمة تقريباٍ وعلى ضوء المعطيات السابقة فإن الكمية المطلوبة لتغطية الاحتياج المستقبلي من المياه تقريبا = 47292 م3 /اليوم والكمية المطلوبة = 17025120 متر مكعب/ سنة و نسبة المياه المطلوبة لتغطية سكان المدينة مقارنة بالإنتاج الحالي = 181%.
أسباب المشكلة
ومما يضاعف من تعقيد المشكلة هو تتعدد مصادر التلوث المياه والاستنزاف العشوائي بسبب غياب الرقابة البيئية والضخ الجائر وتدني مناسيب المياه وقلة التغذية السنوية المتجددة تعمل على تركز الأملاح والزيـــادة السكـــانية المضطردة والتوســـع العمراني الكبـــير وشحة الموارد المائية الصالحة للشرب وما يتطلبه ذلك من زيـــادة الطلب على الميـــاه والاستنزاف السريع للأحواض المائية الجوفية الناتجة عن الحفر العشوائي للآبار من قبل المواطنين لغرض الزراعة وعدم الأخذ في الاعتبار متطلبات الأحواض المائية من مسطحات غير مأهولة بالمساكن والسكان تمر من خلالها مياه الأمطار إلى الطبقات الجوفية ونوعية الطبقات الحاوية للمياه والتركيب الجيولوجية المعقدة مع تلوث المصادر المائية بنواتج المخلفات البشرية والحيوانية والكيميائية وغيرها وانعدام الترشيد وهدر كميات كبيرة من المياه في الجانب الزراعي وبشكل أساسي سقي القات.
وعدم استخدام أنظمة الري الحديثة للتقليل من استنزاف المياه وتبليط الشوارع ومجاري السيول بالأحجار وعدم ترك مناهل مناسبة لتغذية الطبقات الجوفية والحفر العشوائي للآبار وانخفاض مناسيب المياه فيها وتوقف العديد من الآبار وبشكل خاص أبار وسط المدينة وحقل حبير والحيمة وعدم معالجة مياه الصرف الصحي وإعادة استخدامها للري للحفاظ على المياه الجوفية الصالحة للشرب والنقص الحاد في إمدادات المياه بالمدينة وزيادة الفقدان المائي في الشبكة نظرا لرداءة نوعية المواسير والتوصيلات الغير شرعية وغياب الوعي المائي لدى المواطنين للحفاظ على المياه المتوفرة وذلك بترشيد الاستهلاك للمياه في المساجد والمنازل والمستشفيات والمرافق العامة الأخرى وعدم وجود المراقبة المستمرة على استخراج المياه من الآبار سواء للمواطنين أو للجهات الأخرى فمعدل السحب من المياه يصل إلى أضعاف معدل التغذية وعدم الاستغلال الأمثل لمياه الأمطار والتي تعتمد عليها المياه الجوفية بالتغذية وذلك بإنشاء الحواجز المائية وأحواض الترشيح والمدرجات بالإضافة إلى عدم تهذيب الوديان لمنع انجراف التربة والحفر العشوائي للآبار وتزايد عدد الحفارات المخالفة خلال السنة الماضية نتيجة الوضع العام في البلاد.
رؤية أولية للحلول
وتطرقت الورقة إلى عرض جمل من المقترحات التي رأت فيها الطريق نحو حل الأزمة المائية في تعز وتتمثل تلك المقترحات في :
تطبيق قانون المياه وكذا قانون حماية البيئة والاستراتيجيات والخطط الإدارية والخروج بها إلى حيز التنفيذ والتطبيق على أرض الواقع وتطوير وتنفيذ خطة الإدارة المتكاملة للموارد المائية لحوض أعالي وادي رسيان لجميع محاورها بصرامة من قبل الجهات المنفذة للخطة وتعزيز دور المجتمع من خلال إنشاء جمعيات مستخدمي المياه في تبني قضايا المياه ومشاركة المجتمع بكافة شرائحه (منظمات المجتمع المدني – الشباب- المرأة… ) بالمساهمة في نشر الوعي المائي للحد من الاستنزاف الجائر للمياه وإيلاء القضايا البيئية الاهتمام الأكثر وتنفيذ حواجز سطحية وتحت سطحية للاستفادة من مياه السيول بالري وتغذية المياه الجوفية وتنفيذ خزانات أرضية تقليدية ( كريف ) والاستفادة من مياه الأمطار من أسطح المنازل والمباني الحكومية والمدارس من خلال الاستمرار في إنشاء السقايات والبرك والخزانات وحفر آبار أنبوبية عميقة للتغذية المائية المباشرة (آبار الحقن المائي (تنفيذ عدد من كاسرات ( مهدئات ) السيول في الأودية وإعادة تأهيل المدرجات الزراعية وتهذيب مجاري السيول وحماية التربة من الانجراف وإعادة استخدام مياه مواضئ المساجد للاستفادة منها في سقي أشجار الشوارع لتخفيف الضغط على المياه الجوفية وإضافة مصادر جديدة خارجة عن نطاق المياه الجوفية ( مياه البحر – المياه العادمة – تحلية المياه الجوفية المالحة) واستخدام هذه المصادر بأساليب مقننه ومبرمجه لخفض كلفتها وبناء المنشآت اللازمة لمعالجة المياه الناتجة من استخدامات هذه المياه وإعادة تدوير المياه المعالجة إلى مناطق أخرى مختارة لغرض الزراعة بالإضافة إلى تغذية المياه الجوفية وتشجيع أصحاب الآبار الخاصة للمساهمة في الحد من العجز المائي لمؤسسة المياه ببيع الآبار أو الشراكة مع المؤسسة وضخ المياه عبر الشبكة العامة وتنفيذ ماتوصلت إليها الدراسات والبحوث المائية والتي تساهم في التخفيف من الأزمة المائية وعلى الجهات التنفيذية والأمنية والقضائية سرعة ضبط الحفارات المخالفة وإحالتهم إلى القضاء تنفيذا للقوانين والتشريعات المائية المنظمة لذلك.

قد يعجبك ايضا