ثمرات الاعتكـــاف فـــي رمضــــان

هايل سعيد الصرمي


هايل سعيد الصرمي –
الاعتكاف من معانيه الاعتزال  والخلوة والعزلة النافعة مرهونة بالتخلي عن الشواغل التي تجثم على القلب , من خلال الدخول في ميدان فكرة, وطاعة تفضي إلى اتصال بالله على سبيل المثال  التفكر في الكون والإنسان والحياة لأن صفاء القلب وتزكيته وخلوصه لله مبني  على التأمل  أو الانقطاع لتلاوة القرآن وتدبره والعيش في رحابه والذكر والصلاة وسائر  الطاعات المتنوعة التي تقرب العبد من الله وتجعله متصلا وتمده بطاقة روحية تجعله بعد اعتكافه قادرا على تحمل أعباء الحياة وتكاليفها تجعله متصلا ومراقبا لله في كل أحواله ومعاملاته فهي زاد يتزود به المؤمن أياما معدودة للعام كله وكان رمضان هو المحطة التي يتزود فيها المؤمن بالطاقة الروحية لعامه كله وفيه العشر الأواخر التي كان يعتكف فيها المصطفى صلى الله عليه وسلم وتبعه المؤمنون  لتكون سنة لمن شاء وليس واجبا  والاعتكاف يصح في أي وقت  وتكمن أهميته في أنه كالمصفاة التي تصفي القلب من أدرانه وشوائبه ليصبح نقيا بإذن الله . 
      فالقلب البشري شديد الحساسية شديد التأثير فهو من الشفافية بحيث تؤثر عليه سلبا وإيجابا الكلمة والخلطة والمنظر… فإذا كان النظر إلى وجه البخيل يقسي القلب فما بالك بغيره  , فمن أراد جلاء هذا القلب وصفاءه فلا بد له من العزلة التي تقطع القلب عن الشواغل والأوهام والأوهاق والجواذب التي تخúلöده إلى الأرض . فالعزلة  تمنعه من آفات الخلطة  مثل : الرياء والعجب والكبر وحب الظهور وغيره. والأذى. ولكن شريطة أن تكون هذه العزلة في ميدان فكرة كأن يهيم في تأمل ملكوت الله وعظمته أو بصفة من صفاته أو يفتح له نافذة من أبواب التوحيد العظيمة أو يغوص في تاريخ الأمم يشهد من خلالها سنن الله وآياته أو يشاهد منن الله عليه وعلى عباده أو ينشغل في التصنيف أو العلم وطلبه   بمعنى أن تكون عزلة نافعة ينبني بها عمل بعد الأوبة إلى الخلطة لصناعة الحياة . فديننا ينهى عن الرهبانية ولكن العزلة المحمودة التي ينتفع بها القلب هي العزلة التي تزوöده بمعرفة الله ليعود بنشاط وطاقة جديدة لعمارة الأرض لأنه خليفة الله فيها.
في وسعك التفكير بالأكـوان
لو كنت تحمل رعشة الإيمان
لا يعقل الآيات غير آلي النهى
والمترعاتö قلــوبهم بحنان 
إياك أن تغتال قلبك غفلة
 أو شهوة أو سحنة مـن ران
فالقلب حساس فلا تك غافلا
عما يصيب القلب من أدران
فانظر لكونك لو فؤادك مؤمن
بالله. تلقى الروح  والريحان 
  ولذلك اشترط ابن عطاء الفكرة في العزلة حتى يحصل للقلب صفاء  وانشراح بها.
فإن النفس لا تزكو  وتتطهر لتستقبل الخواطر والعلم  والمعرفة بالله إلا بعد تهيئتها بعزلة تصفو بها ولذلك حبöب إلى رسول الله r الخلوة قبل نزول الوحي وكان يتحنث الليالي ذوات العدد مختليا وحده في غار حراء وهكذا  يجد القلب صفاء ه  وإشراقه وتحرره  وطمأنـينـته بعزلة في ميدان فكرة وقد تكون الفكرة البحث عن حقيقة معينة فالنبي r في عزلته قبل البعثة كان يهيم بأفكاره ليعرف سر هذا الوجود وسر هذا الكون وسر هذه المخلوقات فهداه الله بفطرته إليه  ثم أوحى إليه كما هدى إبراهيم بفطرته إليه يوم أن رأى القمر فقال هذا ربي , ثم رأى الشمس فلما أفلت قال لا أحب الآفلين وهكذا إلى أن عرف الله عز وجل بفطرته وهدöي إليه من خلال تأمله ثم جاءه الوحي بعد تلك المعاناة فكان له الأثر البالغ ولو لم تكن تلك المعاناة التي سبقت الوحي والهدى لما كان للهدى ذلك الأثر البليغ في نفوس الأنبياء ولما تحملوا عظيم البلاء في سبيل رسالتهم فالله هيأهم وأعدهم قبل تحميلهم الرسالة .
       ليكن لك – أيها المؤمن – جزء من وقتك تخلو فيه مع نفسك وتأنس فيه بربك وتتأمل وتتفكر وتتدبر في ملكوت خالقك عندها سوف تجد قلبك حيا  في انبساط وبهجة يتذوق حلاوة الإيمان وحلاوة النصر من خلال صناعته للحياة وسوف تعمر الأرض وتخالط الناس وتصبر على أذاهم فإذا أصابك الكلل اعتزلت في فكرة أخرى وهكذا دواليك . فالنبي r كان يعتكف كل عام في العشر الأواخر من رمضان وهو قائد أمة فحري بنا _ نحن الضعفاء _ أن يكون اعتكافنا وخلوتنا أكثر من ذلك.
لنبقى في اتصال بالله من خلال تأمل آياته المبثوثة في الكون والإنسان والحياة وهذا لا يكون إلا للمنشغلين بالله أما غيرهم فلن يجد في خلوته أو خلطته أي فائدة لأن قلبه معلق بغير الله .
     “ المشغول بمحبة غير الله وإرادته والشوق إليه والأنس به إلا يمكن شغله بمحبة الله واردته وحبه والشوق إلى لقائه إلا

قد يعجبك ايضا