المقري ورواية (حرمة)..

محمد الغربي عمران

محمد الغربي عمران –
هل تقرع الأبواب لرواية جنوبية جديدة ومتميزة  كما هي الرواية في كولمبيا  وبقية دول الرواية الواقعة السحرية في أميركا الجنوبية.. وأعني بالجنوبية   اليمن بمعناها الحميري أي الجنوب.. نعم تقرع الأبواب لميلاد رواية جديدة من أقصى الجنوب العربي.. أيكون قدر كل جنوب أن يستوطن جديد الرواية¿
فهاهو عام 2012  ينتصف وقد صدرت باقة من الروايات المتميزة ولازلنا ننتظر.. بل ومن دور نشر عربية شهيرة والروايات هي : تقرير الهدهد لحبيب السروري.. زوج حذا لعائشة لنبيلة الزبير.. سم الأتراك لعبدالله عباس الإرياني.. خلف الشمس لبشرى المقطري.. ورواية ظلمة يائيل لكاتب هذه السطور.. وغيرها.. ثم رواية (حرمة) موضوع مقالنا هذا.. لكاتبها الشاعر الحداثوي والروائي المتجدد علي المقري .
رواية تزيد صفحتها عن المائة وخمسين صفحة.. صادرة  عن دار الساقي.. والتي تأتي بعد عدة أعمال فكرية وشعرية وروائية للكاتب.. أثارت عند صدورها الجدل.. والذي أضحى الكاتب من أبرز الكتاب في اليمن.. بل إن أعماله تلقى رواجا في الوطن العربي.. كما أضحى أحد سفراء الأدب اليمني.
(حرمة) علي المقري عمل متمرد على القوالب السردية .. متمرد على المحاور الموضوعية.. كما هي عادته مع الشعر حين تميز بحداثيته.. وكما هو مع الفكر حين تطرق إلى مواضيع  لا يجرؤ غيره التطرق إليها. و(حرمة) من حيث الموضوع مختلف حيث أختار الكاتب لروايته موضوعا شائكا.. وأوغل بكل جرأة حد التطرف.. فشخصيات الرواية هما أختان.. إذ أن (زيط ميط)  وهي إشارة للفعل الجنسي حيث ظلت تلك الإشارة تتكرر كجملة أساسية بين الأختين وغيرهن.
  يدرك القارئ للرواية بأن المقري قد حرر عقله من الرقيب  الخارجي المتمثل في الاجتماعي والديني والرسمي.. بل وتجاوز ذلك إلى إلغاء الرقابة الذاتية.. وهذا إنجاز لم يتجاوزه كل كتاب الرواية في اليمن بل وأجزم أنه ضمن أبرز من  تجاوزوا الرقابة الذاتية في الوطن العربي.. وأننا بذلك  أمام تجربة بل ومدرسة متفردة.
 تحدثت في الأيام الماضية عكس ما أكتبه الآن .. حول (حرمة) حيث أفشيت إلى بعض الكتاب بأن المقري قد تطرف في  ذكر الجنس في هذه الرواية.. لكني حين أعدت قراءتها وجدتني أواجه نفسي .. لأجد أن ذلك ليس إغراقا في الجنس كما ظننته يعد القراءة الأولى.. بل أن ذلك الإيغال مرحلة من مراحل الوعي المتقدم.. ووعي يجب أن يتحلى به الكاتب الذي يؤمن بحرية الفرد حرية سقفها السماء.. وأن الجنس مثله مثل الطعام والماء والهواء والموسيقى وكل مفردات حياتنا.. والأهم في العمل الأدبي أن يكون ضمن سياق أحداث العمل الروائي.. وضمن تنامي شخصياته وهذا ما كان في حرمة.. إذ أن الرواية بدون مواقف عاطفية دون نقد وهدم للبنى القبيحة في السياسة والفهم الخاطئ لمقاصد الدين.. وفي قيم حاجات الإنسان الحياتية.. لا تساوي شيئا.. لقد جعلنا المقرئ في روايته نتفاعل ونتعاطف مع شخصياته.. بل وجعلنا نشعر بها كجزء مما حولنا.. ومما يدور في شوارعنا ومقار أعمالنا وفي حياتنا الاجتماعية.
واستطاع أن يبرز العلاقة الوثيقة بين العاطفة والعمل وبين الدين والجنس.. وبين السياسة والإرهاب.. لم يحصر المقري المساحة الجغرافي على صنعاء ولا باليمن بل جعلنا نرافق شخصيات روايته إلى خارج اليمن في رحلتهم للبحث عن الحقيقة.. وعن مفهوم الجهاد ومعناه وعلاقاته بالاتجار وبالممنوعات وبالمحرمات واظهر أن تلك الجماعات  الإرهابية ليست في الحقيقة إلى شبكات عالمية تعمل بكل المحرمات في الخفاء .. وتحافظ على أن تظهر بشكل مغاير.. وأن رسالتها ليست كما نعرفه.. وهذا يحسب لرواية حرمة.
إننا في حرمة أمام واقع يتطور.. وأمام نهج يتبعه الكاتب لغاية هي تحري العقل.. وأجزم بأنه يريد زلزلة ثوابتنا الهشة.. وهدم تلك الأشكال التي تحد من انطلاقة الإبداع بكل حرية .. ويهدف إلى تحرير العقل وبالذات عقل المبدع..  قد لا نفهم المقري من القراءة الأولى  وقد نتهمه.. وقد.. وقد.. لكن ذلك لقصور فهمنا.. ولعدم قدرتنا على تجاوز ما يكبلنا.. ولذلك  علينا بإعادة قراءة أعمال المقري الشعرية والمقالية والسردية حتى ندرك أن المقري يعمل منذ بداياته الكتابية الأولى على مشروع ليبرالي تنويري رائد..وأن كل أعماله تصب في نهر واحد.. يجري في سهول وآفاق الحرية المطلقة.
والأجمل حين تجالس وتحاور المقري.. ستجده يحادثك بكل براءة.. ويحسسك بأن الأمور لا تستأهل  الخلاف ولا العداوة.. وهو يواجه أي نقد له بسماحة المدرك وبعقلية المبدع المستنير..  وذلك ترفعا وحكمة.. وانه يستمع إلى من يجادله بروح سموحة لا تحب الخصام.. بل أن المقري يمثل المبدع الحر في حياته المعيشية وفي علاقاته.. ولذلك نتوقع الغد أن يشرق بأعمال أكثر تفردا وتألقا.
هي تحية لهامة إبداعية  دوما ما يمثل الأدب اليمني بروح المحب لوطنه وناسه.. ودوما ما يمد جسور التعاون لكل كاتب وكل مبدع داخل اليمن وخارجه.
وتحية لعمله الجديد الذي يوزع

قد يعجبك ايضا