كفانا تسولا .. بدأنا نغضب
جميل مفرح
جميل مفرح –
> بمسئولية جادة وتعاطف لا حدود له بدأ العالم من حولنا يتعامل مع تقارير المنظمات الدولية والدول الشقيقة والصديقة التي ترى أننا كيمنيين فقراء فقرا مدقعا وهذه التقارير ليست وليدة اليوم ولا الأمس بل منذ سنوات وعقود عدة جعلت ذكر وتذكر اليمن لا يرد إلا مقرونا بالفقر والعوز وضرورة إدراج هذا البلد ضمن قوائم وليستات وخرائط ووجهات المساعدات والمعونات الدولية أيا كان نوعها وفائدتها وأيا كان حجمها ومقدارها وقدرها.
ونحن كشعب بدورنا تعودنا أيضا وبشكل كبير على أن نتعامل مع هذا المفهوم وهذه الصورة التي نبدو عليها في خارطة العالم وبدأنا- أيا كان اختلافنا مع هذا المفهوم وتناقضنا معه اعتمادا على ما يمليه ويحكيه الواقع وتقوله الحقائق- بدأنا نتعامل معه كمفهوم قدري لا مناص منه مهما اختلفت الظروف وتبدلت الأحوال ونتعايش مع ما يدور حولنا من تعاملات ومعلومات وكأنها لصيقة بنا كالأنف بالنسبة للوجه وأصبحنا نتكيف مع كل ذلك بل ووصل الحال ببعضنا إلى أنه حال لن يتبدل أو يتحول مهما حدث لنا ولو وصل بنا الأمر حال الإثراء الفاحش والغنى غير المحدود.. وهذا يذكرني بقصة الفقيرة المتسولة التي تزوجها أمير فكان لا يطيب لها الأكل إلا بعد أن تضعه في إحدى نوافذ القصر وتطرق النافذة وتمثل حالة التسول التي كانت تعيشها.
> لا أقول ذلك إيمانا مني بعدم وجود فقر في البلد ولكنه فقر حاله كحال الفقر في مئات من الدول الأخرى على الكرة الأرضية غير أن هذه المئات من الدول لم تصل إلى ما وصلنا إليه من شكوى وتشكي وتلذذ باستعطاف وترقيق عواطف ودموع الآخرين من أجلنا ولم يكن لها ما هو موجود لدينا من إمكانيات غير محدودة لتجنب الفقر وأيامه وأشكاله.
إن تقارير المنظمات اليمنية حول وجود مجاعة قصوى في اليمن تجعلنا بالفعل نتعاطف مع أنفسنا ومع وطننا ومع أهلنا في هذه المساحة الجغرافية التي يبدو أن اللعنات تصيب كل شبر منها بفعل وجودنا المؤذي عليها.
> نتعاطف فعلا حين نقرأ أو نسمع تلك التقارير وتكاد الدموع تحرق قلوبنا قبل جفوننا حين تصاحب تلك التقارير بصورة واحدة متداولة لحالة تعاني من المجاعة أو بالأصح سوء التغذية.. ولكننا سرعان ما نستفيق حين نسترجع معلوماتنا ونجمع مشاهداتنا ومعايشتنا لواقعنا أي لنا كشعب يوصف بالفقير وتلصق ببنيه صفة المجاعة القصوى ونتألم كثيرا وكثيرا جدا حين نجد أننا نتعاطف بهذا القدر مع هذه التقارير وتلك الصفات وعلى رأسنا دولة وحكومة تعلن تعاطفها أيضا ولكن بطريقة أخرى هي الشكر والامتنان والتذلل أيضا لكل جهات الدعم والتعاطف وأخشى ما أخشاه أنها أيضا تدفع وتسعى وتكافئ ربما من يعدون هذه التقارير المخزية والجالبة للعار.
> في بلد كبلدنا الذي ندعي أننا نحبه ونحن أبعد ما يكون عن ذلك وفي حال وحقيقة يحتكم عليه هذا الوطن من مقدرات وإمكانات وثروات لو استغلت لفاضت عن حاجتنا ولكانت مقصدا لحاجات من يحتاج في الجوار في حال كهذا الذي نعيشه اليوم لا مجال ولا مفر لنا من الشعور بالخزي والمذلة والمهانة خصوصا حين يصل الأمر بنا أو بالتسول لنا إلى حد حصالات تلاميذ المدارس وطباعة قسائم الدريهمات والريالات ولإنقاذنا إنقاذ شعبنا الذي يعاني مجاعة قصوى.
> نشعر بالخزي والمهانة فعلا ولكن أكثر من ذلك نشعر بالحزن والأسى والغضب أيضا حين نعلم ما يمتلكه الوطن من مقدرات وما يصرفه اليمنيون وعلى رأسهم حكومتهم ونظامهم من مليارات الريالات والدولارات نسبة كبيرة جدا منها تذهب في ما لا يلزم وما هو غير ضروري أو حتى يستدعي كونه كمصرف.
إن بلدا لديه من الدخل المتنوع كضرائب وأوقاف وخدمات وثروات نفطية وسمكية وتجارية ومحصولية من فواكه وخضروات وغير ذلك يصل به الأمر بغزو محصلات ومصروفات تلاميذ المدارس في بلدان الجوار بحاجة ماسة فعلا للنظر والتأمل إن لم يكن المحاكمة والمساءلة الجادة من قبل كل أبنائه ونخبه.
> إن حكومة تصرف مبالغ مهولة جدا في ميزانيات وزاراتها التي لا تكاد تثبت حضورها الفعلي بتصرف أو نشاط بسيط وتهب مسئوليها من الحوافز والهبات والعطايا ما يقيم أود شعب بأسره فيما شعبها يتسول باسمه في مدارس وحواري ومدن دول الجوار حكومة تحتاج بالفعل منا الوقوف في وجهها لنقول لها كفى فاض الحال عن الممكن.. وأصبح الانفجار وشيكا إذا ما دام الحال ولم يتبدل المآل.
> والتساؤل الذي يطرح نفسه هنا: هل بالفعل نحن فقراء كل شعبنا فقير وهل ما لدينا من حال اقتصادي بالفعل يصبغ علينا صفة المجاعة القصوى وهل وصل بنا الأمر ب