الحوار .. قبل أن يسقط الجدار
جميل مفرح
جميل مفرح
جميل مفرح
ü .. تبين بما لا يدع مجالا للشك من خلال الأحداث والمتغيرات التي تشهدها الساحة اليمنية أنه من أهم وأبرز أسباب ذهاب الوضع باتجاه التداعي والانفلات السياسي والأمني الذي تعتمد إحداثه أطراف أو طرف سياسي على الأقل هو العزوف عن التقارب والالتقاء وعدم انتهاج مبدأ الحوار والتفاهم في سياساتنا تجاه بعضنا واتضح بجلاء أن التراشق السياسي عن بعد بين الأطراف السياسية أو فلنقل على الأصح بين طرفي النظام والمعارضة هو بالفعل ما يتجه بدائرة الأزمة الحالية نحو الاتساع والتفاقم وهو لعمري مانخشى على الوطن من تبعاته ونتائجه.
ü هذا الوضع بالمناسبة يذكرني بحادثة حصلت بيني وبين أديب كبير كنت ولا زلت اعتبره أبا وأخا وصديقا ومعلما إذ حدث بيننا سوء فهم نتج عن تدخل عدد من الزملاء الآخرين الذين استأجروا الشيطان أو استعانوا به ليرسم وينفذ خارطة طريق بيننا باتجاه التأزم والتحامل وأخذ أحدنا على الآخر بصورة لم يكن للمنطق فيها حضور فكان أولئك الوساطة يصلون بكل منا إلى حالة التأهب ضد الآخر بكل ما يعني التأهب .. ذات ليلة انفتح لدي باب العقل وأوصدت نافذة الحمق التي كانت مشرعة على مصراعيها بسبب فريق الوسطاء (حمران العيون) سامحهم الله بالفعل اكتشفت تلك الليلة كم كنت أحمق ومغفلا وكم كنت متطاولا مهما كانت الظروف والأسباب في حق ذلك الصديق الإنسان والمعلم الخلوق فما كان مني إلا أن حزمت جرأتي وقصدت منزل أستاذي العزيز الذي لم يفاجأ بقدومي قدر ما رحب بي وفتح قلبه لعناقي وحسرتي وندمي وانتهى بكل بساطة كل ما حصل بيننا خلال أيام قليلة من مشادات كانت بأيدي وألسن عصبة من الطيبين جدا من زملائنا.
على فكرة أولئك الزملاء الطيبون جدا أو إذا صحت التسمية (الموهفون) هم من أوائل من استقبلتهم ساحات الفتنة بعد أن تحولت من كونها ساحات للاعتصام حاول الشباب من خلالها بادئ ذي بدء التعبير عن أنفسهم وعن مطالبهم وحاجاتهم.
ü قد أكون ربما شغلت القارئ الكريم بسرد هذه الحادثة أو القصة ولكنها عن غير قصد استدعت ذاتها وأنا استدعي الحوار فكرة وموضوعا لكتابة هذه المقالة نظرا لما يشهده الوضع الراهن في بلادنا من تفاقم بسبب غياب أو تغييب مبدأ الحوار عن قصد خصوصا من قبل إخواننا الأعزاء في المعارضة وبالأخص في اللقاء المشترك الذين وجدوا الأزمة هدية ثمينة منحهم إياها الشباب عن غير قصد على الإطلاق وبدون جهد أو تكلف استغلوا هذه الهدية التي تمثل لديهم فرصة لن تتكرر أبدا للانقضاض على النظام ومحاولة الحصول على السلطة بعيدا عن القنوات الشرعية والدستورية التي أثبتوا طيلة عشرين عاما إخفاقهم في النجاح عبرها وبواسطتها.
ü أعتقد – وأظنني مخطئا – أنهم لن يجنحوا إلى الحوار ويتركوا فرصة الانقضاض على الشرعية التي أصبحوا يكفرون بها ويجحدونها ثم تجدهم يؤمنون بها أيما إيمان حين تستدعي حاجة مصالحهم إليها أو إلى شكل من أشكالها.
ولكن وبالرغم من ذلك سنظل نتمنى أن يستيقظ هؤلاء الإخوان من سبات انتهاز الفرص والأحداث وأن يعود مبدأ التعقل والمنطق إلى مجراهما الطبيعي لتجنيب الوطن الغالي مما يمكن أن يصير إليه من وضع متوقع لن يرضي أيا ممن ينتمي إليه أو يشعر بالانتماء إليه بأي حال من الأحوال.
ü لقد انتهجنا النظام الديمقراطي منذ أكثر من عشرين عاما ولكننا في كثير من الأحيان لا نشعر بأهمية هذا النظام ولكن يشعر به كل من حولنا ويغبطنا إن لم يحسدنا عليه الكثيرون وقد اتخذنا من هذا النظام طوال هذه الفترة جدارا متينا نحتمي به من التسلط والقمع والتفرد والديكياتورية ومصادرة الحقوق والأفكار والحريات وقد أثبت هذا الجدار طوال العشرين عاما متانته وصحته وهو يحمينا من أعاصير المتغيرات السياسية أيا كانت ومن رمضاء التسلط والمصادرة والاستبعاد أيا كانت أيضا.
ü إن جنوحنا نحو هدم هذا الجدار أو المشاركة في حدوث انهدامه لهو من غريب التصرف والاختيار إذ أن ذلك الجنوح المستهجن ما هو إلا انتحار مباشر في حقيقة أمره وتقويض عاصف لكل ما استطعنا أن نبنيه أو نجنيه في هذا العهد الوحدوي الجديد في تاريخ وطننا الحبيب .. وإن احتكمنا للتعقل والتفاهم وتغليب المصلحة العامة للوطن على المصالح الفردية والشخصية أيا كانت وأيا كان أصحابها هو الحل المنطقي لحماية وطننا ومكتسباتنا وإنجازاتنا وإن لم يكن منها غير ما ننعم به من مناخ ديمقراطي وواقع تعددي لم ولن يحققه أحد من حولنا وفي إقليمنا والأحداث المتتالية هنا وهناك في عدد من البلدان المجاورة والشقيقة خير دليل وأظهر حجة على ما نؤكد أننا ننعم به من نظام ديمقراطي تعددي لا يمكن إنكاره أو الجحود به بأي حال من الأحوال .. وإذا كان يعترض أو يشوب هذا النظام أية أخطاء أو تفاصيل صغيرة مثلا فذلك مستدرك ويمكن إصلاحه ومعالجته ولن يحصل ذلك إلا إذا اجتمعنا كيمنيين أيا كانت توجهاتنا وانتماءا