«معا نبني اليمن الجديد»

محمد حسين العيدروس


محمد حسين العيدروس –
ما كان لأوروبا أن ترتقي إلى العالم المتقدم لولا أن تهيأت لشعوبها إرادة التحول السياسي إلى خيارات بديلة للأنظمة الإقطاعية وحكم “اللوردات” وهيمنة الكنائس وما كان يترتب عن ذلك من استبداد مطلق وحروب دامية بين مراكز القوى اللاهثة وراء مصالحها الشخصية.
فما سمي بـ«عصر النهضة في أوروبا وإن كانت بعض أسبابه مرتبطة بمتغيرات اقتصادية عالمية إلا أن قاعدته الأساسية أوجدتها التحولات السياسية باتجاه النظم الديمقراطية التي ألغت الوصاية على إرادة الشعب وموارده الطبيعية ومقدراته التنموية المختلفة وإعادة توجيه كل شيء بما يخدم المصالح العامة ولم يكن الأثر الاقتصادي والثقافي والاجتماعي للتحول الديمقراطي ليتجلى في الواقع لولا أن أسمى غايات الديمقراطية تكمن في قدرتها على ترسيخ الاستقرار الوطني لكل بلد حيث إن معظم الصراعات والفتن الداخلية تعود إلى أطماع الحكم وصراعات المصالح وأحيانا إلى صمود زعماء ضعفاء أو متهورين بحكم نظام التوريث.
ومثلما دفعت حقب الظلم والقهر والاحتراب الأوروبيين للتفكير بالديمقراطية كمنقذ فإن الأمر نفسه وجد طريقه في اليمن في مرحلة حبلى بالصراعات السياسية والأزمات الوطنية كان من نتائجها اعتيال ثلاثة رؤساء في أقل من عام واحد.
إلا أن الأخ الرئيس علي عبدالله صالح رأى ضرورة ملحة في استنساخ تجارب الغير ولابد من مراعاة الخصوصيات اليمنية والتحول إلى الديمقراطية عبر مراحل ومن هنا تشكلت عام 1980م لجنة الحوار الوطني من خمسين عضوا يمثلون مختلف الانتماءات لصياغة مشروع الميثاق الوطني الذي يتضمن المبادئ الفكرية الأساسية الملزمة لعمل جميع القوى وفي اغسطس 1982م تم تأسيس المؤتمر الشعبي العام الذي أقر مشروع الميثاق الوطني وأصبح أول مظلة وطنية للتعددية السياسية حيث إن المادة «37» من الدستور اليمني آنذاك كانت تحرم التعددية السياسية.
كانت هذه الخطوة على المسار الديمقراطي جريئة جدا قياسا لوضعنا اليمني آنذاك لكنها نجحت في وقف الحروب الشطرية وإنهاء كثير من الصراعات الداخلية والسير قدما باتجاه إعادة توحيد الشطرين وانتعاش الحركة التنموية وقيام الكثير جدا من النقابات والمنظمات الجماهيرية.
لكن مع اتفاقية الوحدة في 30 نوفمبر 1989م بدأ التوجه للانتقال بالبلد من التعددية السياسية إلى التعددية الحزبية تحت مظلة “الجمهورية اليمنية” وتلك هي الانطلاقة الأكبر التي رفعت قواعد الدولة اليمنية الحديثة التي بدأت تتوسع أيضا بتجاربها الديمقراطية من انتخابات برلمانية إلى رئاسية مباشرة ثم محلية.
إن هذا الرصيد الديمقراطي بكل إيجابياته وسلبياته أوجد ثقافة وطنية واثقة بأن الديمقراطية هي صمام أمان اليمن خاصة في ضوء التحديات المتعددة التي تواجهها سواء أمنية أم اقتصادية أم ثقافية واجتماعية وبالتالي لم يكن ممكنا تجاوزها خلال الأزمة السياسية الراهنة سواء على صعيد تنظيم المسيرات أو الاعتصامات أو حريات الصحافة أو على صعيد المبادرات التي كان يتقدم بها الأخ رئيس الجمهورية والتي تمسكت جميعها برفض أي تداول للسلطة من خارج صناديق الاقتراع التي من الحق الدستوري للشعب أو يفرض إرادته السياسية الوطنية من خلالها.
ورغم بعض الإشكاليات التي حملتها بعض القوى السياسية في عدم التعاطي مع تلك المبادرات فإن التطورات المتسارعة للأزمة كانت كفيلة بتحفيز جميع الأطراف على العودة إلى طاولة الحوار وتقديم التنازلات والتوافق على المبادرة الخليجية التي تتمسك بخيار التداول السلمي للسلطة عبر انتخابات رئاسية مبكرة تم تحديد موعدها في الآلية التنفيذية للمبادرة الخليجية بيوم 21 فبراير وسيكون الأخ المشير / عبد ربه منصور هادي نائب رئيس الجمهورية مرشحا توافقيا للجميع.
إن لمن الأهمية بمكان أن تدرك ما تعنيه هذه الانتخابات لليمن فالمسألة لا ترتبط باسم شخص معين بقدر أهميتها في ترسيخ الثقافة الآمنة وفي أي تداول للسلطة وإلغاء أي تطلعات لدى البعض في إمكانية انتزاع الحكم بالقوة أو الفوضى لأن مثل هذه التطلعات قد تطلق الأبواب مجددا أمام العنف والاغتيالات السياسية على غرار ما شهدته الساحة اليمنية في سبعينيات وثمانينات القرن الماضي.
أما الأمر الآخر فهو إننا يجب أن نأخذ في نظر الاعتبار أن اليمن ليست الدولة الوحيدة على الأرض لتفكر بمعزل على مصالح الآخرين حيث إن المجتمع الدولي قامت بعض أجهزته بمساعد الأطراف اليمنية المختلفة للتوصل إلى حل سياسي للأزمة لإدراكه بخطورة التحديات التي تتربص بأمن اليمن واستقرارها وسيادتها ومدى ما يمكن أن ينعكس على دول منظومتها وأمن بحري العرب والأحمر من مخاطر جمة قد تلحق أضرارا فادحة بالنشاط التجاري والاقتصادي للمنطقة والعالم والأمن القومي لكثير من الدول.
ولا شك أننا لسنا بلدا ثريا بل مصنف من الدو

قد يعجبك ايضا