غلب ألف عمار 

الدكتورة رؤوفة حسن


الدكتورة/ رؤوفة حسن

مخرب غلب ألف عمار هكذا يقول المثل الصنعاني وبالتأكيد أن هناك مثلا مشابها له في كل منطقة من الجمهورية. هذا هو واقع الحال هذه الأيام فكل الجهود والتراكمات يتم نسفها بمكالمة تهديد. مصالح بسيطة ومحدودة ونظرة قاصرة تؤدي إلى دمار وطن بكامله وكأن الشعار هو “وحدي ومن بعدي الطوفان”.
كان الخطاب الثوري مقبولا في فترة الخمسينيات والستينيات وصار خطاب التنمية والتطور والسعي نحو الحداثة والمنافسة في سوق العمل والإنتاج العالمي هو مقياس الحاضر. لكن تمجيد الثورات المبالغ فيه واستمرار خطاب الحماس والدمار والقتل لقادة الحروب صار كتجارة تهريب المخدرات وتجارة تهريب قطع الغيار البشرية وتهريب السلاح فهذه الحروب تغطي خلفها من حركها لأن النظام والاستقرار وإحكام السيطرة على المنافذ والحدود يضر بمصالحها ويؤدي إلى كشف عملياتها.
فالاستقرار والتنمية والحداثة لا تتم في الهواء والحجر حتى لو استخدمت الهواء لتنقيته وللتبريد والتسخين وإنتاج غازات الضغط والطاقة والرياح والمطرأو الحجر للبناء والتنقيب. التنمية تتم في البشر وبالبشر ولا تقوم بدون دولة القانون والاستقرار لكن خطاب الدمار تحت دعوى أنها إرادة الله أو تحت مبرر إعادة إنتاج الفشل أو العودة بالتاريخ الذي لم يتم فهم أبعاده ونقاشه بشكل موضوعي مستقيم يؤدي إلى حالة لا تستقيم معها تنمية ولا تقوم لها قائمة.
ومهما تم البناء ومهما كانت تكاليف المدارس أو المستشفيات أو المكاتب الإدارية الحكومية في المناطق التي لم يكن فيها مبنى واحد يصلح للعمل الإداري أو عقد الاجتماعات أو حتى الجلسات والمؤتمرات ومهما تكلفت الطرقات الجديدة ففي النهاية تفجير واحد يهد كل هذا البناء والتعمير والجهد والتخطيط والمال والموارد.
سيطرة الإحباط:
يتمتع القات بسلطة على متناوليه فهو في البدء يمنحهم المتعة ثم قليلا الإمعان في الجدية وبعدها تبادل مشاعر اليأس والإحباط والشكوى من طوب الأرض ثم ينتهي المجلس وينفض الجمع تاركا للزوجات حمامات مزرية وغرفا أو دواوين لا ينظفها إلا شقاة أو مكتوب عليهن الشقاء في عقد الزواج أو شروط الأبوة والأمومة.
ويحاول من كان في الجمع النوم ان استطاع أو واجه الأرق أو بحث عن وسيلة تحل مشكلة كل يوم ويأتي صباحه في عمله ليصبح تعيسا في الغالب على كل من يقع تحت سلطتهم. وكانت ثقافة الإحباط واليأس التي يولدها القات محجوزة في أماكن القات لا تتعداه ولكن في لحظة ما لست أدري من بدأها تم تحويل جلسات الخدر القاتية إلى أسامي مختلفة تبدأ بالاجتماعات فقراءة كتاب فمنتدى أسبوعي أو ملتقى مفاوضات سياسي أو محاولات تجلي أمام أجانب داعمين أو مانحين.
وفي مكان آخر تحولت إلى جلسات تعبئة وتجهيز عقلي للمراهقين للدخول في تجمعات تختلف أهدافها مثل ألوان قوس قزح.
وتلقائيا دون أن يفكر أو يحلل أو يتأمل في الموضوع أحد ودون أن تترصد كاميرات وتسجيلات وأقلام الصحفيين ما حدث خرجت إحباطات جلسات القات إلى الشارع وتسللت في أنفس المراهقين والمراهقات ووجدت لها مكانا فارغا منتظرا في قلوب المحتاجين إلى الشعور أن بإمكانهم شيء ولو حتى إلقاء حجر في وجه من يحملونهم المسؤولية عن إهمالهم وعن عدم قيامهم الصحيح بإتقان أعمالهم وعن فشلهم في تعليمهم وخيباتهم المختلفة في الحياة.
وهكذا خرج المخرب كي يهدم كل بناء ويكمل على الآمال المتبقية لأجيال قادمة لأنها الطريقة السهلة البسيطة فالمخرب الواحد يغلب ألف عمار لأن الأمر ببساطة أسهل من البناء.
العابرون على الرقاب:
يجتمع قادة الحرب وتحت شعارات نضالية أو حماسية أو دينية يعلنون لجمهورهم الخطوط العريضة للدمار وتغطي محطات الويل والثبور التي تعيش على اشتعال الأوضاع أقاويل هؤلاء بموضوعية ودون إدانة وكأن الإجرام والتخريب وإعلان حالات العصيان والتوجه المعادي للديمقراطية وللنظام والقانون هو الأمر الذي يستحق التمجيد والإشادة.
فاختلط الحابل بالنابل وصار النظارة المشاهدون لا يعرفون الحق من الباطل ولم يعد هناك من دليل أو معين وكل يصنع رأيه بحسب ما يستطيع. فالعابرون على الرقاب لا يبالون بمن في النهاية يدفع الثمن ولا كم من الأجيال الأخرى من أبناء هذا البلد وبناته عليهم أن يستمروا في دفع ثمن أي حلم بالمستقبل للتغيير.
والله يعين اليمن على أبنائها.
_______
raufah@hotmail.com
 

قد يعجبك ايضا